مسكينة الشرعية الدولية!

د. صياح عزام:

لقد أصبحت الشرعية الدولية ممسحة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوربيين، وينطبق عليها مثل هذا الوصف في ظل ممارسات الدول المذكورة تجاهها، حتى أصبحت تستحق العطف عليها.

عودة قليلة  إلى مفهومي الشرعية الدولية والقانون الدولي تبيّن أنهما واضحان من حيث التعريف والمضمون، إلا أن واشنطن حوّلتهما إلى مفهومين إشكاليين، وصارا عرضة للتأويلات والتفسيرات المتناقضة، أي حسب أهواء واشنطن ومزاجيتها وسياستها، وبما يخدم مصالحها، مع العلم بأن الولايات المتحدة هي الأكثر حرصاً واستخداماً لمصطلحي (القانون الدولي) و(الشرعية الدولية)، ولكن في سياق النفاق والكذب والتغطية على ممارساتها وسياساتها الهادفة إلى الهيمنة على إرادة الشعوب ونهب ثرواتها، وفي الوقت ذاته فإن واشنطن هي الأكثر انتهاكاً لهذين المفهومين، والشواهد أكثر من أن تحصى.

والأدهى والأغرب من كل ذلك، أنها تستمر في إعطاء الدروس للآخرين حول ضرورة الالتزام بهما، مثلهما مثل (حقوق الإنسان) التي حولتها الولايات المتحدة إلى (هراوة) تستخدمها ضد كل من يعارض سياساتها.

وإذا عدنا إلى مصطلح (الشرعية الدولية) نجده يعني الالتزام بمجموعة المبادئ والقوانين التي تحكم وتوجّه العلاقات الدولية من خلال منظمة الأمم المتحدة وميثاقها وقراراتها، ذلك أن أي خروج على هذه القواعد يعد انتهاكاً للشرعية الدولية.

أما القانون الدولي فهو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين الدول، وخصوصاً ما يتعلق بسيادتها واحترام حدودها واستقلالها والقوانين والمعاهدات الملزمة للعلاقات بين الدول.

من هنا فإن الولايات المتحدة التي تتحدث أكثر من أي دولة في العالم عن الشرعية الدولية والقانون الدولي وحقوق الإنسان، فهي تتحدث عنها وفق تفسيرها الخاص (وهو بالطبع تفسير خاطئ، بل تفسير عدواني يخدم سياساتها ومصالحها الخاصة، لاسيما مصالح إسرائيل، وليس التزاماً بأي نص من نصوصها).

لقد استنكرت الولايات المتحدة مؤخراً استعادة روسيا لأربع مناطق من أوكرانيا (سكانها روس ويتحدثون باللغة الروسية ويتعرضون للاضطهاد من قبل نازيي أوكرانيا لأنهم روس)، وبموجب استفتاء رسمي ونزيه، واتهم الرئيس الأمريكي بايدن موسكو بأنها (انتهكت بشكل صارخ القانون الدولي، وداست على ميثاق الأمم المتحدة – حسب تعبيره)، وكذلك كان موقف معظم الدول الغربية لأنها تابعة لواشنطن تبعية مطلقة.

ولكن هنا تحضر إلى ذهن المتابع لمثل هذه الادعاءات الأمريكية الضحلة مجموعة أسئلة: هل كان اعتراف الولايات المتحدة يوم 25 آذار 2019 بسيادة كيان الاحتلال الإسرائيلي الكاملة على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، قراراً شرعياً يتوافق مع القانون الدولي والشرعية الدولية؟

رغم أن الشرعية الدولة ممثلة بالأمم المتحدة أصدرت (عشرات القرارات) التي تدين الاحتلال الإسرائيلي لهذه المرتفعات وتعتبره غير شرعي.

وهل اعتراف الرئيس الأمريكي ترامب في 6 كانون الأول 2017 بالقدس المحتلة عاصمة أبدية وموحدة لإسرائيل هو قرار شرعي، برغم عشرات القرارات الدولية التي تدعو إلى انسحاب إسرائيل منها والحفاظ على وضعها القانوني والديني والتاريخي؟

هل كان غزو أفغانستان واحتلالها عام 2011 وحتى العام الماضي، أو غزو العراق واحتلاله عام 2003 وتدميره وارتكاب الفظائع على أرضه في سجن أبو غريب من التعذيب البشع (الصعق بالكهرباء والإيهام بالإغراق والحرمان من النوم، والإذلال الجنسي)، هل كان كل ذلك وفقاً للشرعية الدولية والقانون الدولي واحترام شرعة حقوق الإنسان؟

وهل وهل وهل؟

مسكينة هذه الشرعية الدولية التي حوّلتها أمريكا إلى ممسحة لها!

 

العدد 1105 - 01/5/2024