عن خطاب الكراهية في سورية

صفوان داؤد:

في السنوات الأخيرة ومع تطور الحرب السورية وتعقّد مسارها، برزت ظاهرة الكراهية وبدت أكثر وضوحاً بين الأفرقاء المتخاصمين، سواء كانوا أطرافاً مسلّحة أم خصوماً سياسيين. وانعكس هذا الخطاب بشكل أو بآخر على القاعدة الشعبية مولّداً نتائج وسلوكيات مقبولة. يختلف مصطلح (خطاب الكراهية) من مكان إلى آخر، ويوسم بأنه فضفاض، وله العديد من التعريفات التي لا مجال لتعدادها هنا. يرجع عدم التحديد الدقيق لهذا المفهوم إلى المنعكسات المترتّبة على تعريفه، والمتعلّقة بالتأثير العام على حرية التعبير، وإمكانية استغلال الحكومات هذه التعاريف حجّةً ومستنداً ذرائعياً لفرض العقوبات على المعارضين أو التنكيل بهم.

مهما يكن من أمر، فإن خطاب الكراهية يبقى مشكلة حقيقية وتتطلب الحل، إذ تفرض التهديدات التي يمكن أن يحملها الانتشار المحتمل له على مستوى الدول العربية ومنها سورية، تعاوناً إقليمياً أكثر فعالية لمواجهته، دون أن تعني المواجهة انتهاك حرية الرأي والتعبير، وإنما أن تتخذ الحكومات تدابير ثقافية وتعليمية وإعلامية مناسبة. ضمن هذا السياق، كشف تقرير مشترك بين منظمة اليونسكو وأحد المراكز البحثية المختصة بحرية الإعلام، أن واحداً من كل خمسة منتجات إعلامية محلية سوريّة قد احتوى على شكلٍ من أشكال خطاب الكراهية. هذا يقتضي الجدية، والعمل على الحد من انتشاره، وعدم استخدام الإعلام المؤدلج أو الرسمي لتحقيق أغراض سياسية، وإدخال الحوار وتقبّل الاختلافات واحترامها ضمن أي استراتيجيات مستقبلية.

يمكن لـخطاب الكراهية أن يشكّل خطراً حين يسعى إلى تحريض الناس على العنف تجاه مجموعات ضعيفة أو مهمشة أو أقلية. إنما، حتى في أشكاله الأقل حدّة، مثل التنمّر والتمييز ضدّ (الآخر) بناء على تصورات نمطية، قد يؤدي إلى انعكاسات اجتماعية سلبية للغاية، منها حالات التهميش وانعزال الأفراد عن الوسط الاجتماعي الذي يعيشون فيه وعدم الالتزام بمعاييره وضوابطه الأخلاقية، وإلى تشكّل آثار نفسية تتضمن على سبيل المثال: القلق، الإحباط، الخوف، وأيضا الميل الى العنف والكراهية. وكانت منظمة اليونيسف قد ذكرت في تقرير لها أنه في عام 2021 أظهر ثلث الأطفال في سورية علامات الضيق النفسي وبضمن ذلك القلق والحزن والتعب أو اضطرابات النوم المتكررة نتيجة الحرب وأعمال العنف المتكررة.

محلياً، خطاب الكراهية ظاهرة حاضرة ولا يمكن نكرانها في الأزمة السورية، ويرتبط حضوره بشكلٍ أو بآخر بطبيعة البنية السياسية في البلاد.

ومن التداعيات الملموسة لهذا الخطاب، والموثقة خلال الحرب التي عصفت في البلاد: اضطرابات في السلم الاجتماعي، الجرائم الجنائية، النزوح، التعدّي على الممتلكات، الاضطرابات النفسية، التسرّب المدرسي، وتجنيد الأطفال. وقالت منظمة اليونيسيف في بيان صحفي لها إن التدمير الهائل في البنية التحتية للمدارس ونزوح السكان عن قراهم ومدنهم أدى إلى أنّ نحو 2.45 مليون طفل في سورية و750 ألف طفل سوري إضافي في الدول المجاورة فقدوا إمكانية الذهاب الى المدرسة. رغم ذلك، مصطلح (خطاب الكراهية) غير متناول من قبل مؤسسات الدولة السورية الرسمية. هذا لا يعني أنه غير موجود لكن لا يجري تناوله لأسباب عديدة. وإن جرى تناوله فهناك تباين في تعريفه ناشئ أصلاً عن تباين الجهة التي تعرّفه وسياقات استخدامه وإلى من يوجّه هذا التعريف.

ثمة عوامل عديدة ساعدت على انتشار خطاب الكراهية في سورية مثل نزوح السكان، التدهور الاقتصادي، تراجع قيمة التعليم، غياب الأحزاب، الارهاب وظهور (تنظيم الدولة الإسلامية). وقد تفاقم الانتشار مع ردّات الفعل الأمنية لمظاهر الإرهاب، وانتشار صور نمطية عن أطراف الصراع المختلفة، وانسحاب هذا التمييز على الطلاب النازحين في المدارس. ونادراً ما جرى التبليغ عن جرائم الكراهية في حال استهدفوا، لأنهم لا يثقون بنظام العدالة الرسمي أو التخوف من ردّات فعل انتقامية على حياتهم. وقال تقرير (مرصد الاقتصاد السوري) إنه في ظل (الاضطرابات في لبنان وتركيا وكوفيد-19 والحرب في أوكرانيا، أن ينكمش الناتج المحلي الحقيقي لسورية 2,6% عام 2022 بعد انخفاضه2,1% عام 2021، وقد يؤدي الركود الاقتصادي وتدهور الخدمات العامة إلى اضطرابات اجتماعية) ستدفع بالأجيال الشابة او البيئات الحاصنة لهم إلى العنف والكراهية.

في ظل تلك المخاطر التي يحملها انتشار خطاب الكراهية، يجب أن يكون هناك دور فعال للحكومة السورية، في مواجهة تلك المخاطر، من خلال رصد السلوكيات ولغة هذا الخطاب، وتقديم التصورات اللازمة، للتعامل معها والحد منها. مع ذلك إن أي حلول مرجوة لضبط خطاب الكراهية سواء كان في السلك التعليمي أم خارجه لن تتحقق دون حل سياسي للمسألة السورية، وإحلال السلم المدني القائم على المواطنة والتعددية السياسية.

 

العدد 1105 - 01/5/2024