انتخابات السويد: تشتّت اليسار فنجح اليمين العنصري!

طلال الإمام_ السويد:

رغم أن النتائج النهائية والرسمية للانتخابات التي جرت في السويد (الأحد 11/09) لن تعلن قبل يوم الأربعاء القادم، أي بعد انتهاء فرز اصوات الناخبين في الخارج، فإن النتائج الأولية تشير إلى حصول تحالف اليمين على نسبة 49,7 %، وتحالف اليسار 48,8.

بغض النظر عن احتمال تغيّر النسبة لصالح اليسار (وهو أمر مستبعد رغم اننا نتمنّاه) فقد شكلت نتائج انتخابات 2022 مفصلاً خطيراً تمثّل في صعود حزب يميني متطرف، عنصري، له جذور نازية ومعادٍ للأجانب، هو ديموقراطي السويد ليصبح ثاني أكبر الأحزاب السويدية بعد الحزب الاشتراكي الديموقراطي السويدي، فماذا حدث؟ ولماذا؟

بداية لابد من الإشارة إلى أن لهذا الصعود أسباباً داخلية وخارجية، تتمثل الأسباب الداخلية في سيطرة النهج النيوليبرالي والخصخصة منذ تسعينات القرن الماضي، وبدء تآكل الإنجازات التي تحقّقت للسويديين بعد الحرب العالمية الثانية، بمعنى بدء التراجع التدريجي لمجتمع كان يطلق عليه مجتمع الرفاهية الزائدة، وواحدٍ من أفضل بلدان العالم في تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية لسكانه، مجتمع التسامح والمساواة بين الجنسين. أدى هذا التراجع التدريجي إلى صعود حزب عنصري معادٍ للأجانب طارحاً خطاباً شعبوياً، يُلقي اللوم في التراجع الحاصل كاملاً على عاتق زيادة أعداد المهاجرين، مع القيام بحملة تحريضية تدعي أن جميع المشاكل التي يواجهها المجتمع من جرائم، ومخدرات، هي بفعل الأجانب فقط.

أما الأسباب الخارجية فهي تأتي ضمن موجة تعاظم النزعات النازية واليمينية المتطرفة في العديد من البلدان الأوربية بأشكال مختلفة بحيث وصلت الأحزاب التي تحمل تلك النزعات إلى السلطة.

إن تصاعد النزعات العنصرية وحزبها في السويد مؤشر خطير وسيكون له تداعيات مستقبلية. فلأول مرة في التاريخ المعاصر لهذا البلد يصل إلى سدّة الحكم حزب يميني، عنصري، متطرّف. إن دخوله للبرلمان بهذه القوة، وعدم تمكّن أي من التحالفين اليميني او اليساري تشكيل حكومة دون التعاون معه سيدخل البلاد في دوامة سياسية تؤثر على الوضع العام في البلد. وقد أعلنت أحزاب تحالف اليسار أنها لن تتعاون مع هذا الحزب، أما اليمين التقليدي فقد بدأ بمدّ جسور التواصل مع هذا الحزب، وسيصل باعتقادي للتعاون معه في تشكيل حكومة. إن حكومة يمينية تضم حزباً عنصرياً معادياً للأجانب الذين يشكلون عشرين في المئة من السكان سيخلق صعوبات داخلية جمّة، كما ستتسع التجاذبات وربما الصدامات. الأخطر أن هذه التطرف العنصري يؤشر إلى تصاعد تطرف مقابل لبعض الأجانب ممن لهم أجندة دينية وهو ما ظهرت بوادره منذ فترة عبر تشكيل حزب الطيف (نيانس_ Nyans) ذي النزعة الإسلامية، الإخونجية. خسر حزب اليسار 2 بالمئة من الناخبين، ورغم أن الاشتراكيين الديموقراطيين حصلوا على 30.5 % وهي أكثر مما حققوه في الانتخابات السابقة، لكن تحالف اليسار تراجع بسبب أن الاجانب الذين كانوا يصوتون له صوتوا لحزب نيانس  nyansوهكذا تشتت أصوات الأجانب واستفاد اليمين من ذلك. إن تشكيل حكومة يمينية مع حزب عنصري سوف ينعكس سلباً على جميع المنجزات التي تحققت للسويديين، والمستفيد الأول هو رأس المال وشركاته، سيتم وفق بعض التصريحات التراجع عن حقوق العمال مع إطلاق يد ارباب العمل في فرض شروطهم على القوة العاملة وحرمانها من الضمانات التي كانت تتمتع بها، والسماح للشركات الأجنبية ورأس المال الخارجي بالدخول إلى سوق العمل وفق شروطه ودون أية ضوابط. هذا كلّه إضافة إلى اتساع هوة الفوارق الطبقية في المجتمع. والأخطر هو خلق حالة تصادم خطر مع المهاجرين وتهيئة أجواء العداء لهم، الأمر الذي قد يؤدي إلى ردّات فعل تلحق ضرراً بالسلم الاجتماعي السويدي ككل.

أخيراً، أرى أن من المفيد إعطاء لمحة عن الحزب العنصري ذي الخلفية النازية والمعادي للأجانب كي ندرك أخطار وجوده في السلطتين التشريعية والتنفيذية. جرى تأسيس الحزب عام 1988 من 30 شخصاً كان من ضمنهم 18 شخصاً ذا نشاط كبير في المنظمات النازية. جاء في الكتاب الأبيض الذي أصدره الحزب منذ فترة: (يعتبر الحزب أن السويد بيضاء وهي للعرق السويدي لشمال أوربا حصراً، حتى ذوي البشرة البيضاء من أعراق أخرى هم غير مرحّب بهم في السويد. يجب على النساء السويديات أن لا يقبلن بإهانة أنفسهن في علاقات مع أعراق دونية خصوصا ذات البشرة السمراء).

الجدير ذكره أن هذا الحزب تأسس على مبادئ قومية متطرفة.. ترفض المهاجرين والهجرة، وتعتبر أن العرق الأبيض هو المكون الأساسي للمجتمع ويجب عدم قبول أي أعراق أخرى في المجتمع، مع حزمة من المبادئ النازية الأخرى التي ترفض وتعادي القوميات والأديان والثقافات الأخرى التي لا تنتمي للمجتمع السويدي الأبيض.

المعروف عن السويد تاريخياً أن تغيراتها السياسية والاجتماعية بطيئة، لكن المفاجئ أن الحال ليس كذلك الآن، وما نشهده من صعود العنصرية فيها، ويبدو أنها الأسرع بين الدول الأوربية. لقد حاز هذا الحزب العنصري في انتخابات عام 2018 على تأييد 17.5% من أصوات الناخبين، وفي 2020 أشارت إلى إمكانية حصوله على نسبة 25.4% من أصوات الناخبين. وقد قفز في الانتخابات الحالية إلى المركز الثاني بعد الحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي.

نعتقد أن من بين أسباب صعود اليمين المتطرف هو تشتت قوى اليسار وخلافاتها، مع تفاقم النزاعات والحروب المحلية والإقليمية. بالمقابل ثمة مؤشرات على بزوغ عالم آخر متعدد الأقطاب على أنقاض عالم أحادي. نعم، ثمة حاجة ملحة لإعادة النظر في بعض جوانب الديمقراطية السياسية التي أوصلت هتلر إلى السلطة فيما مضى، وتساهم الآن في إيصال أحزاب يمينية متطرفة وعنصرية إلى الحكم، كما يحصل في السويد وبلدان أخرى.

تُرى هل تستغل قوى اليسار والتغيير هذه اللحظة في العودة للناس والشارع، بطرح برامج وخطاب تجديدي وعصري لمواجهة أخطار تهدّد الحياة على كرتنا الأرضية الجميلة؟

العدد 1105 - 01/5/2024