عدنا من حيث بدأنا

وعد حسون نصر:

عدنا من حيث بدأنا، فبعد أن قطعنا مسافة من الطريق نحو العلم، واجتزنا نحن وأطفالنا الألف والباء لنصل إلى الياء بسلام، حتى المسنون ومن فاتتهم فرحة هجاء الحروف على مقاعد الدراسة عشنا معهم المتعة حين أعلنّا عن محو أميتهم، إلى أن انقلبت الموازين واشتعلت نيران الفتنة، وأضحت شوارعنا تعجُّ بأطفال مشردين مسروق منهم الفرح ومتعة الحروف، فقد ضاعت الألوان من بين أصابعهم وهجرت رائحة الورد ملابسهم مع رائحة القمامة، ولم نعد نمحو الجهل بهجاء حروف المدرسة، فباتت المدرسة مركز إيواء لهم ولعائلاتهم، وبتنا نحن نواجه مشكلة كبيرة في تسرّب الكثير ممّن هم في سن الدراسة لأسباب عديدة، لعلَّ أهمها الفقر والحاجة إلى العمل، فكثيرون اضطرتهم الظروف لترك المدرسة في سنٍّ مبكّرة والتحقوا بالعمل ليعيلوا أسرتهم، كما أن كثيرين من الأطفال شرّدوا بسبب الحرب، فلا منزل ولا أهل، وجدوا أنفسهم في الشارع وعلى حاويات القمامة، وفي أعمار الشباب هناك كثيرون بحاجة إلى تعويض الفاقد التعليمي، هؤلاء الذين كانوا أطفالاً في فترة الأزمة وكبروا معها دون علم أو مأوى أو حضن أم وحماية أب.

نعم، نحن لم نعد نُصنَّف من الدول التي قضت على الجهل، نحن عزّزنا مكانة الجهل مع ازدياد نسبة أطفال الشوارع، ومع فقدان الكادر التعليمي وهجرة الكثيرين منهم، مع غلاء القرطاسية وعجز الأهل عن تأمينها لأبنائهم، مع الطلبات التعجيزية في المدارس والمعاهد والجامعات، مع ارتفاع معدّلات القبول في الجامعات وعجز الكثيرين عن الدراسة في الجامعات الخاصة، مع تعزيز فكرة ما هي فائدتي من الشهادة في هذا البلد (إذا راح أتخرج وما أحظى بفرصة عمل)؟

لذلك، علينا أن نعمل جميعاً أفراداً ومؤسّسات ومجتمعاً محلياً ومنظمات من أجل القضاء على وباء الجهل، ولو بالعودة لحلقات الكُتّاب الصغيرة، فمن غير المقبول أن تكون نسبة من هم في عمر المدرسة من الاطفال قد فاقت الوصف في الطرقات وورشات العمل، لذا علينا أولاً تعويض الفاقد التعليمي وذلك من خلال فرض عقوبات على كل الأهل ورب العمل الذي يستغل طفلاً للعمل في سن الدراسة، كذلك جمع أطفال الشوارع بمراكز إيواء والإشراف عليهم من خلال الدولة والمنظمات الانسانية وتأهيلهم نفسياً وجسدياً، ثم الاستفادة من قدراتهم وتوجيههم للعلم والعمل، لكن تحت إشراف المجتمع بمؤسساته ومنظماته المختصة لكي لا يكونوا مشروع إجرام في المستقبل نتيجة تشرّدهم، فنحن للأسف قد عادت بنا أزمتنا لزمان الجهل ونحتاج إلى الكثير من المقومات كي نعود كما كنّا، فلنعمل جميعاً من أجل القضاء على أخطر مرض يصيب المجتمعات. نعم الجهل هو الوباء والسرطان المميت للفكر وللحضارة، للأمل وللتطور، فلنقضِ على كل هذا بمحو الأمية من جديد حتى تتلوّن عقولنا بالألوان والتفاؤل والعطاء.

العدد 1107 - 22/5/2024