من فتح باب مدرسة أغلق باب سجن

ريم داوود:

أهلاً بك في سورية أحد أقدم مواطن إعمار البشرية، بلاد احتضنت العديد من الحضارات والإمبراطوريات منذ قرون لتكون لوحة فسيفسائية تغنّى بها أدباء العالم وشعراؤه. طبيعة خلّابة وسحر لا يقاوم، آثار كتبتها وخطّتها حضارات عريقة، هكذا وصِفَتْ سورية.

تعود بنا الذاكرة فتدعونا للتأمّل متخيّلين شروق الشمس في اليوم الأخير من شهر آذار ٢٠١١ تتدفق ألسنتها الجميلة مرسلة بعض الدفء الممزوج بالنور، نور لم ندرك سحره وجماله إلاّ عندما فقدناه، فعن أي نور أتحدث؟ وأي ظلمة تلك التي اجتاحت سورية؟ نظرة خاطفة ولمحة سريعة وقد تخال نفسك ضمن إحدى الدول النائية، أو قد يتوارد لمخيلتك أنك تجوب إحدى المدن المهجورة التي عزف سكانها عن ارتيادها، فأين هي تلك الحضارات؟ وهل نستحق أن نكون خلفاء لها؟ أم أن أسلافنا يشعرون بالأسى على ما حل بها؟

  • علوم ومعارف: لطالما استقطب العلم اهتمام الإنسان جاعلاً منه هدفاً يسعى من خلاله للنهوض بذاته والمجتمع نحو التطور والتقدم، أي نحو المستقبل الذي أصبح مضماراً تتنافس ضمنه المجتمعات، والفائز فيه من يطرح سابقة غريبة أو اختراعاً جديداً، لتظهر آثار هذا العلم في تفاصيل حياة أبنائه متجليّة في الرفاهية والتميز الذي ينعمون به ساعين من خلاله إلى تحسين جودة الحياة والوصول إلى أرقى المستويات.
  • مستقبل تحت المجهر: يعتمد ازدهار المستوى الصناعي والاقتصادي وحتى الاجتماعي على توفير التعليم الابتدائي أو الأساسي، ذلك أنه لا جدوى من إعطاء تعليم تقني للأفراد دون تزويدهم بالتعليم الأولي الذي يعتمد في جوهره على أساسيات (القراءة، الكتابة والحساب) فالعمال غير المتعلمين- وهناك العديد من عمالنا لا يزالون في طور الأمية غير متعلمين- هم عمال غير مهرة بالشكل الكافي، وإذا ما زوّد هؤلاء العمال بالتعليم الأساسي سيكونون منافسين رسميين على مستوى العالم. في عام ٢٠١٠ قدّمت وكالة سانا الرسمية تقريراً بيّنت فيه انخفاض نسب الأمية داخل الأراضي السورية من ١٩% عام ٢٠٠٤ إلى ١٤،٢% عام ٢٠٠٧ وبحلول عام ٢٠٠٨ أعلنت كل من القنيطرة، وطرطوس والسويداء أنها خالية من الأمية تلتها عام ٢٠١٠ محافظات درعا، اللاذقية وحماه، إلاّ أن نشوب الحرب السورية كان كفيلاً بهدم كل ما وصلنا إليه من إنجازات على هذا الصعيد فعادت أجراس الأمية قارعة ناقوس الخطر الكبير. في عدد من اللقاءات الصحفية التي أجريت مع المسؤولين القائمين على العملية التعليمية بينوا فيها أن عزوف الأطفال وتسرّبهم من المدارس يعود لتوجّههم نحو سوق العمل نتيجة تدهور الظروف المعيشية والاقتصادية، فضلاً عن أن عدداً لا بأس فيه من الأطفال باتوا مُعيلي أسر بعد أن فقدت هذه العائلات معيلها.

لكن السؤال الأهم: ما هي الإجراءات المتّبعة لاستقطاب الأطفال نحو التعليم؟

إننا ومن خلال البحث عن معنى أو مصطلح الأمية سنجد ما يُسمّى بالأمية الوظيفية التي تشير إلى عدم القدرة على استخدام مهارات القراءة والكتابة والحساب من أجل تطوير الذات والمجتمع، كما أنها تُعرّف بعدم قدرة الفرد على استخدام مهارات القراءة والكتابة لإدارة حياته اليومية، وكما ذكرت سابقاً بأنه لا جدوى فعّالة من تزويد الأفراد بالتعليم التقني دون تزويدهم بالتعليم الأساسي الذي سيكون كفيلاً بدعمهم ودفعهم نحو تطوير حياتهم اليومية وبلورتها بهدف تطوير المجتمع، فهل نملك خططاً بديلة تحفّز الأفراد على الالتحاق بالتعليم الأساسي؟ وما هي الإجراءات التي يمكن اتباعها لرفد أكبر عدد ممكن من المتسربين دراسياً؟

  • الأمية وتأثيرها السلبي على الصحة النفسية للأفراد: إن الانسان الأمّي يتعامل مع ذاته بدونية تجعله يرى كل من حوله من المتعلمين أفضل منه وأكفأ، ممّا يدفعه نحو تجنّب المشاركة والاندماج، والعزوف عن خوض كثير من المواقف ذلك أنها تؤثّر على انعدام الثقة بالنفس والآخر، كذلك عدم القدرة على استثمار واستغلال الامكانيات الفردية بالشكل الأمثل، الشيء الذي يدفع بالأمّي نحو بعض السلوكيات السلبية التي قد تكون منافية للمجتمع وقيمه.

ختاماً، تبقى رسالتنا كمثقفين متعلمين، ومدرّسين ناشطين في المجال التعليمي، كتّاباً كنّا أم قرّاء هي أن نبلغ بفلّاحنا ذروة الرقي، وأن نقود المجتمع نحو الحضارة والتقدم، وهذا لن يتم إلاّ من خلال فتح المدارس وإعداد المدرسين الأكفاء، والعمل على تطوير المؤسّسة التعليمية بكل جوانبها، لأنه لا نمو ولا حضارة ولا تطور إلاّ من خلال العلم والتعليم.

العدد 1105 - 01/5/2024