الأميون جيش الخراب الأكبر

حسين خليفة:

هنا في هذه البلاد التي مزّقتها الحرب والفساد والتفرّد، فصارت تتدحرج بتسارع مرعب في رحلة انحدارها إلى قاع هاوية سحيقة إن لم يتم الإسراع في إيجاد حل سياسي هو المدخل لحل بقية المشاكل بل الكوارث التي تسبّبت بها الحرب، كل يوم يجب أن يكون الثامن من أيلول (اليوم العالمي لمحو الأمية).

والأمية درجات وألوان، فهناك الأمية الأبجدية وهي الجهل بالكتابة والقراءة، وقد أصبحت من الحالات النادرة جداً في البلدان التي دخلت العصر وانتمت إليه، بينما ما تزال متفشية في البلدان التي بقيت مستقرة في قاع التاريخ، ومن بينها للأسف بلدنا الصامد، بعدما شهد البلد حرباً ضروساً بين أبنائها وبشراكة مع دول إقليمية وعظمى وتدخّلها المباشر وغير المباشر في الحرب، وكما غنى مارسيل خليفة (بلا صغرة حتى التايواني) الأمر الذي حوّل البلد إلى يباب وهبط بالمجتمع إلى قاع الحضارة والمدنية، وبدرجة في المناطق التي شهدت العمليات الحربية وتعرّضت للخراب والتدمير والتهجير.

أما الأمية الثقافية أو الأمية الحضارية، الأمية التقنية، والأمية المعرفية، والأمية الوظيفية، وغيرها. فتحتاج إلى مساحة خاصة بها لأن مظاهرها وصورها متعددة ومتشعبة.

كانت سورية من البلدان التي قطعت شوطاً كبيراً في مكافحة الأمية، فقد بيّنت إحصاءات، رغم عدم الدقة في الإحصاءات الرسمية التي تحاول غالباً إعطاء صورة وردية للواقع، أنّ نسبة الأمية قد انخفضت من 19% عام 2004 إلى 14% من المجتمع السوري، وأعلنت عدّة محافظات خالية تماماً من الأمية، مع علمنا بوجود مبالغات مسيّسة في كل هذه الإعلانات.

الإحصاءات عن الأمية الأبجدية عالية نسبياً في البلدان العربية وهناك محاولات جادّة للحدِّ منها، لكن لنلقِ نظرة سريعة على الأرقام التي استقيناها من تقارير أممية لليونسكو وللمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألسكو):

  • 17% من سكان العالم البالغين ما زالوا لا يعرفون القراءة والكتابة، وثلث هذه النسبة من النساء.
  • 127 مليون شاب على مستوى العالم، لا يستطيعون القراءة والكتابة، من بينهم 7%  من الفتيات.
  • نحو  67.4 مليون طفل لم يلتحقوا بالمدارس.
  • عدد الأطفال تحت سن الخامسة الذين لم يكملوا تعليمهم نحو 781 مليون طفل، منهم 64% من الإناث.
  • 21% من العرب أي نحو 96 مليون نسمة يعانون من الأمية مقارنة بـ13.6% كمتوسط عالمي، ونسبة الإناث من الأميين العرب تتجاوز 25% عموماً، لكنها في بعض الدول العربية تتراوح بين 60 و80%..
  • ستة ملايين طفل في الدول العربية ممّن هم في سن الدراسة غير منخرطين في العملية التعليمية، وأن بين 20 و30% من الأطفال الذين يلتحقون بالتعليم الأساسي يتخلّفون عنه خلال المرحلة الدراسية الأولى.

أما عن الامية الثقافية فالأمر أكثر إيلاماً، يكفي أن نعرف أن معدّل القراءة في العالم العربي لا يتعدى ربع صفحة للفرد سنوياً، وأن كل ثمانين عربياً يقرؤون كتاباً واحداً في السنة، في حين المواطن الأوربي يقرأ 35 كتاباً في السنة. العربي يقرأ ما يعادل ست دقائق سنوياً، في حين يقرأ الأوربي مئتي ساعة سنوياً.

في سنوات الحرب تحطّمت الأرقام المذكورة أعلاه، وهي أرقام مقلقة أساساً، وأصبح الواقع كارثة وطنية أفظع من كل نتائج الحرب ربما.

تقول السيدة جوليات توما المتحدثة باسم منظمة اليونسيف عام 2021: (هناك 2.8 مليون طفل خارج المدارس في سورية ودول الجوار من أصل 8 ملايين طفل سوري).

الأسباب طبعاً هي الحرب وذيولها من تهجير ولجوء وفقر وحرمان.

تضيف توما: (في الداخل يلعب استمرار القتال والعنف العائق الأهم إضافة إلى استهداف المدارس، أما في دول الجوار فأهم العوائق الوضع الاقتصادي للعائلات ما يضطر الأطفال للجوء إلى العمل رغم توفير فرص التعليم المجاني في هذه الدول من قبل المنظمات الدولية، بحيث بلغ عدد الذين يستفيدون من الإعانات التعليمية من الأمم المتحدة خمسة ملايين طفل سوري).

مئات الآلاف من الأطفال السوريين، من الذين ولدوا خلال سنوات الحرب، لم يتمكّنوا من الدخول إلى المدارس، وانضموا الى جيش الأميين العرمرم الذي شكّلته الحرب وهم أخطر من التنظيمات الجهادية الإرهابية، ومن المؤامرات التي يقال دائماً منذ وعينا على هذه البلاد أنها تحاك ضد وطننا ودولتنا.

ومن ضحايا الحرب الملعونة أيضاً: أبناء القتلى، والمعتقلين والأرامل، الذين تقطّعت بهم السبل، وأصبحوا تحت ضغط الحاجة والظروف الاقتصادية السيئة مجبرين على ترك مدارسهم رغم حداثة سنهم. هؤلاء لم يصبحوا فقط في عداد الأميين، بل أصبحوا عرضة لكل الانحرافات السلوكية والأخلاقية في ظلِّ الفوضى التي تعيش فيها البلد حتى بعد توقف العمليات الحربية في أجزاء كبيرة منها، والأحاديث الغريبة عن انتصارات وانجازات!

إن الخطر الحقيقي على سورية لم يعد هو هذا الخراب الهائل في الحجر والبشر الذي نراه ونعيشه ونلمسه فحسب، بل هو في جيش الأميين الذي تم إعداده للمستقبل ليدمّر كل ما نجا من الحرب، ويقتل كل عقل لم تأخذه المنافي والمعتقلات والمقابر، وهذه أول مهمة يجب الالتفات إليها من الحكومات التي يفترض أن تأتي بها التسوية السياسية القادمة، التي نأمل أن تتمخّض عن سورية ديمقراطية علمانية موحدة لكل السوريين.

العدد 1107 - 22/5/2024