كان محقّاً.. وما زال محقّاً!

د. أحمد ديركي:

مرذ عبر التاريخ البشري كثير من المفكرين والعباقرة الذين غيّروا مسار تاريخ البشرية، بأفكارهم التي استطاعت أن تصل إلى عامة البشر وتصبح منارة طريقهم.

فمنذ بدايات التاريخ البشري وتشكل المجتمعات الأولية للبشر والإنسان يحاول الإجابة عن أسئلة جوهرية تتعلق بمعنى الوجود، والحياة، والكون، والزمان… وغيرها من الأسئلة الجوهرية الأخرى. وإن جمعت كل هذه الأسئلة لأمكن القول إن جميعها ينطلق من الأسس التالية: الأصل، والتطور.

المقصود بالأصل، طرح الأسئلة الجوهرية مثل: ما أصل الكون؟ ما أصل الإنسان؟ ما أصل الحياة؟ ما أصل الزمان؟… ومن السؤال عن الأصل تتفرع بقية الأسئلة المتعلقة به.

أما بالنسبة لمسألة التطور، فالمقصود كيف وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، وما شكل الغد؟ وما هذه الأسئلة إلا تتمة لمسألة الأصل. وهنا تطرح أسئلة مثل كيف وصل الإنسان الحالي إلى حالته الراهنة؟ وما مسار تطوره لمعرفة حالته في الغد؟ كيف تطور الكون ليصل إلى حالته الراهنة؟ وما مسار تطوره لمعرفة حالته في الغد؟

ما من مفكر أو عبقري إلا وحاول الإجابة عن بعض من هذه الأسئلة الجوهرية، وإن تنوعت الإجابات. وطبعاً كل وفقاً لاختصاصه. وهنا الاختصاص يعتمد بشكل جوهري على مدى تطور المجتمع، فالمفكر أو العبقري لم يسقط من السماء على الأرض ليجيب عن هذه الأسئلة، أو عن بعض منها.

ومع كل إجابة عن سؤال جوهري يدخل العلم في صراع مرير مع الأفكار الغيبية السابقة وينهزم تارة ويفوز تارة أخرى. ولكن في النهاية الفوز يكون دائماً للعلم وإن تأخر فوزه.

والعلم ليس بمفصول عن حياة البشر وطرح الأسئلة الجوهرية والإجابة عنها، إلا أنه ليس بالأداة الوحيدة التي تعمل على الإجابة، بل يرتبط العلم بشكل جوهري بالفلسفة. فالفلسفة هي من يطرح الأسئلة الجوهرية، والعلم أحد أدواتها للإجابة عنها.

وهنا يأتي دور الفلاسفة لتغيير التاريخ البشري، بعد فهمه بالشكل الصحيح من خلال الاستعانة بالعلم، بشتى فروعه، وبقية العلوم الإنسانية، لتغيير العالم.

وهنا يأتي دور الفلاسفة لـ(تغيير العالم) وليس لفهمه وتفسيره فقط. فمن قام بأول خطوة نحو تغيير العالم، مستعيناً بكل العلوم، ولا يعني هذا أنه كان ملماً بها بل استعان بها وفقاً لمعرفته بها، هو كارل ماركس وصديقه فردريك إنجلس.

فما قاله ماركس، وإنجلس، كان صحيحاً وما زال صحيحاً في الوقت الراهن. وقد تكون بدايات أسس وضعهما الحجر الأساس لعملية التغيير، بعد الفهم الصحيح للواقع، تنطلق من الفقرة الأولى في كتاب (الإيديولوجيا الألمانية) (the German Ideology). إن كانت الفقرة الأولى فيه صادمة إلى هذا الحد؟ فكيف عند استكمال قراءة الكتاب، وما كان من بعده من كتب وما تلاه فوراً (البيان الشيوعي).

نعم، كان ماركس وإنجلس محقّين في قراءتهما، فاتحين الأبواب لكل مفكر أو عبقري لاستكمال وتصحيح سبل تغيير العالم. فمسار التغيير آتٍ لا مفرّ منه، وكلّ متتبع لمجريات الأحداث، معتمداً على المنهج الماركسي، يمكنه أن يشهد ما الأصل وما مسار التطور الذي نسير فيه نحن البشر.

العدد 1105 - 01/5/2024