الأزمة وتصحّر العلاقات الإنسانية

ديانا رسوق:

مشاهد الألم والأسى والفقدان، ومظاهر الخوف والهروب والاصطفاف القبلي والديني بدلاً من الاصطفاف المجتمعي، كل ذلك كان نتاج مرحلة انعطافية في تاريخ سورية المعاصر.

ما صادفه المواطن السوري خلال السنوات العشر الماضية كتب عنه الكثير، لن نكرر هنا ما أصبح معروفاً لدى الجميع، لكننا من جانب آخر سنبين تداعيات مأساة الشعب السوري على علاقة المواطن السوري بالآخر على صداقته مع الآخر، حبه للآخر، والتي نعتقد أنها أحد أهم المقوّمات لإعادة بناء المواطن السوري جنبا إلى جنب مع إعادة الإعمار.

 

في القرية.. فقدان

في قرية نائية من قرى المنطقة الشرقية، وحدها أم جميل من عرف الألم والحسرة كما لم تعرفه من قبل. لقد دخل الإرهابيون إلى القرية واقتادوا شبابها إلا أن جميل ابنها البكر وأخاه صافي، تصدّيا ببواريد الصيد لمن حاول اقتحام منزلهما وقتلا، بعد ذلك اعتكفت أم جميل في منزلها رغم أن ساحات القرية ما كانت تشتاق إليها قبل ذلك.

 

في الجامعة

كنا مجموعة مؤلفة من خمسة شابات وشبان نذهب معاً لحضور المحاضرات ونرتاح في ظلال أشجار الكلية، كنا إخوة في كل شيء وعرفنا الكثير عن كلٍّ منا، وأحسّ كل منا بالآخر وبالآخرين، مع قدوم الغمامة السوداء فُقد حسان أثناء عودته إلى المنزل، وراح عماد مع مجموعة متطوعين للدفاع الشعبي، أما لؤي وديما فقررا ركوب البحر هروباً ولم نسمع عنهما شيئاً. لم يعد تحصيلنا العلمي هو الحافز على البقاء، كذلك اضطررنا لقطع صلاتنا بالجامعات لأسباب مختلفة وها أنذا وحدي جالسة تحت شجرو صفصاف، أجتر بقايا ذكريات لن أنساها أبداً…

التوقيع حياة.

هذ مقطع من مذكرات صبية جامعية أطاحت بكل طموحاتها وآمالها سنواتُ الجمر القاسية.

في تلبية الاحتياجات.. (ما حدا لحدا)!

لقد أدت الأزمة ومحاولة الغزو إلى مصاعب اقتصادية ومعيشية أطاحت بالاستقرار النسبي للأوضاع المعيشية للمواطنين السوريين، فتراجعت قدراتهم الشرائية تجاه ارتفاعات مستمرة لأسعار كل شيء، وأصبح الحصول على الغذاء والدواء والدفء أمراً في غاية الصعوبة، ومع تراجع الإحساس بالآخر الناجم عن العوامل المذكورة أعلاه (… الفقدان ) والخوف من الآخر، تراجعت العادات والتقاليد التي نشأ عليها السوريون كالمساعدة ومد يد العون والمشاركة وتبادل الخبرات، وأصبح الهمّ الفردي يتفوق على الشعور الجماعي بالمصائب، ولم يكن الهمّ الذي طحن المواطن السوري هو ذاته همّ الحكومات المتعاقبة، فقد همّشت مطالب الناس المعيشية مرة  بذريعة  تراجع الإيرادات العامة، وأخرى بقصد التهميش المتعمد، وهكذا وجد المواطن السوري نفسه وحيداً أمام حيتان ترفع الأسعار كما تشاء وتقتنص الفرص لزيادة ملياراتها.

عودة الناس إلى علاقاتهم المجتمعية تتطلب حرصاً وجهوداً حكومية ومجتمعية تتناغم مع تخفيف المعضلات المعيشية وعملية إعادة الإعمار التي ستدمج المجتمع السوري في العمل والإنتاج.

الكرة اليوم في ملعب الحكومة، ونرى أن استمرار عملية المصالحات المجتمعية، ومواجهة الاصطفافات الدينية والطائفية والقبلية، وتركيز الجهد الحكومي على إنهاض الاقتصاد الوطني، وحل المعضلات المعيشية، وموازنة الأجور مع مستويات الأسعار، ستشكّل مدخلاً لعودة السوريين إلى علاقاتهم الاجتماعية والإنسانية المعهودة.

إنه رأي.. وهو، بالتأكيد، خاضع للحوار.

العدد 1105 - 01/5/2024