ضياع مخيف

ريم داوود:

وكلّ بلادٍ جادها العلم أزهرت

رباها وصارت تنبت العزّ لا العُشبا

يعاني طلّاب الشهادة الثانوية حالة من الضغوطات النفسية والاجتماعية يفرضها الواقع المعيش والمحيط الأسري بدءاً من التحضيرات الصيفية وانتهاء بحالة استنفار عام تشهدها أسرة ذاك الطالب خلال فترة تقديم الامتحانات، فضلاً عن التكاليف المادية التي تتكبّدها الأسرة من دورات تقوية ومعلمين إضافيين، حالة من القلق والخوف ممزوجة بتخبّط داخلي يعيشها أبناؤنا على مدار عام كامل بغية الحصول على فرع جامعي يتابعون من خلاله تحصيلهم العلمي مُخططين لمستقبل يضمن لهم استمرار المسير أو يصنفون خارج السرب.

على مدار سنوات وسنوات ومع تطوّر المناهج وتغيّرها أو تغييرها على اختلافها وتنوعها لاتزال الشهادة الثانوية تُشكّل العبء الأكبر لأبناء مجتمعنا راسمة أحلام الكثيرين منهم ومُحطّمة أحلام الأكثر، طبول واحتفالات يقابلها خيبات أمل وكسر خواطر لطلاب خانتهم الذاكرة أو ربما عطّل الخوف أقلامهم فوقفوا عاجزين أمام رهبة الموقف.

قرارات وزارية وتعديلات شبه دورية فيما يخص الشهادة الثانوية، لكنها للأسف لاتزال ضئيلة هزيلة تفتقر اللمسات الأخيرة.

أما المؤلم والمؤسف فهو عزوف الكثيرين وامتناعهم عن متابعة التحصيل والتعليم لأسباب عديدة منها ما يتعلّق بخيبة الأمل، وأخرى بتحصيل فرع غير مرغوب به في ظلِّ فترة عصيبة تحتاج فيها الأمة لكوادر مثقّفة متعلّمة تنهض بها من هذا الركام. فضلاً عن الخسارة الاقتصادية التي لحقت، وستلحق بالبلاد بسبب ظاهرة التسرُّب، فمنذ السنوات الأولى للأزمة كانت هناك محاولات للتنبيه من خطورة هذه الظاهرة من خلال رصد انعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية السلبية على المجتمع. فهل تساءل القائمون على العملية التعليمية عن هذه الأسباب!؟

أما عن آلية التحصيل ضمن الشهادة الثانوية فلا يزال هناك الكثير من المآخذ التي لابدّ أن تُستدرك، فعوض أن يقضي الطالب سنة كاملة مترقباً أيام الامتحان الأخير ضارباً الحظ بالنصيب تارةً، ومُقدّماً الأفضل تارة أخرى، نستطيع التفكير بحلول ناجعة تكون المساهم في تخفيف هذا الرهاب ودفع الطلاب نحو متابعة مسيرهم العلمي، كأن يتمّ احتساب هذه الأيام لتدخل ضمن محصلة الطالب النهائية على أن تكون جزءاً مساعداً ومُخفّفاً لعبء ورهبة الامتحان الأخير على اعتبار أننا نسعى إلى تمكين جميع أبنائنا وتزويدهم بشهادات تمكّنهم من متابعة التحصيل العلمي إيماناً منّا بضرورة تسليح الأجيال بالمعرفة والعلم.

أما السؤال الأهم: إلى متى ستبقى الشهادة الثانوية فيصلاً أساساً في طريق أجيالنا؟ أما آن الأوان للعمل وفق آلية مختلفة تمكّن جميع الطلاب دون استثناء من متابعة الدراسة الجامعية؟

أليس من الأفضل لو تم تأهيل الطلاب منذ السنوات الأولى للمرحلة الثانوية على أن تكون تلك السنوات الثلاث مقياساً للتحصيل والمعدّل الذي يؤهّل الطالب لاختيار الفرع الذي يرغب فيه؟

خلاصة المضمون تتطلّب ضرورة الوعي والإدراك لأهمية تسليح أجيالنا بالعلم والمعرفة، مُيسّرين أمامهم الطريق، مُحلّلين مُفكّكين الصعاب والعراقيل التي تواجههم، مُبعثرين ما يعوق تقدمهم لأن كل تقدم يحرزه فرد من أبناء المجتمع هو بالنهاية تقدم المجتمع بأكمله، وكل تأخّر أو تراخٍ يقود بالضرورة إلى تأخّر المجتمع وانحلاله.

العدد 1105 - 01/5/2024