الولايات المتحدة.. تحدّيات الداخل

د. صياح عزام:

تدّعي الولايات المتحدة الأمريكية منذ نشأتها أنها نموذج للديمقراطية ودولة المؤسسات الدستورية والحريات المدنية، ولم تكتفِ بهذا الادعاء الذي تردده إداراتها المتعاقبة ووسائط إعلامها، بل تضيف إلى ذلك أنها حامية وحيدة للديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان في كل مكان. وتحت هذه الذريعة (ذريعة نشر الديمقراطية وحمايتها) تمارس أبشع أنواع الهيمنة على الشعوب ومصادرة إرادتها ونهب خيراتها، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى لدرجة يمكن القول إنها ترتكب جرائم وموبقات غير مسبوقة.

في هذا السياق، لا نريد العودة إلى الوراء كثيراً، بل سنكتفي بما بدأ يتكشف مؤخراً من نقاط ضعف في نظامها وسياساتها بعد أعمال العنف والقتل التي جرت في الداخل.

فمن نقاط الضعف البارزة، نظام الكلّية الانتخابية، الذي بموجبه فاز الرئيس السابق ترامب على منافسته هيلاري كلينتون.

وهناك (المال) الذي يلعب دوراً حاسماً في أية انتخابات رئاسية أو تشريعية، الأمر الذي يعطي اللوبيات ورجال المال تأثيرهم الفعّال والحقيقي في النتائج، وكما يقال (المال هو لبن السياسة الأمريكية).

وهناك نقط مهمة أخرى تتعلق بالانتخابات وتتجسد في دور المحكمة الاتحادية العليا التي تعد السلطة العليا في حال حصول تنازع بين المؤسسات، وعادة ما يكون موقفها يتوقف على طبيعة ومرجعية القضاة وانتماءاتهم الحزبية والسياسية، لذلك يحرص كل رئيس أن يعين قضاة يحملون أفكاره وإيديولوجية حزبه. هذا فيما يتعلق بالثغرات الموجودة في نظام الانتخابات الحالي، وما حصل عند اقتحام مبنى الكونغرس من قبل أنصار ترامب يؤكد ما ذكرناه.

الأمر الآخر الخطير هو انتشار الخطاب اليميني الشعبوي بشكل واسع، وفي هذا السياق، حذر الباحث الكندي هومر ديكسون من معهد كاسكيد بجامعة رويال رودز من انهيار الولايات المتحدة، بل تنبأ بذلك، أي بمخاطر حرب أهلية وحكم ديكتاتوري بحلول عام 2030، إضافة إلى التخوف من التحول في اليد العاملة إلى التكنولوجيا، وازدياد عدم المساواة في الثروة، ومن أمراض اجتماعية أخرى متفشية بكثرة مثل الشيخوخة المبكرة، والتزاوج بين الأعراق والإلحاد وقلة المرتادين للكنائس، وما يبثّه اليمين الأمريكي حول أخطار الهجرة، وما يسميه استبدال الثقافة الأمريكية بغيرها من الثقافات، وكشفت استطلاعات الرأي وجود تخوف وتشاؤم كبيرين لدى الأمريكيين حول مستقبلهم، خاصة في ظل تزايد المؤشرات على استلام اليمين الشعبوي للحكم وعودة ترامب إلى الرئاسة عام 2024.

إضافة إلى ذلك يحدد البروفسور البريطاني الشهير بول كيندي، صاحب كتاب (صعود وأفول القوى العظمى)، مجموعة من الأسباب لهذا الأفول أهمها: التمدد العسكري الذي يتجاوز القدرات الاقتصادية، وانفجار الصراعات الداخلية، وظهور قوى عظمى منافسة، مؤكداً أن كل هذه الشروط الخاصة بالانهيار تنطبق على الولايات المتحدة وبشكل خاص منها الانقسامات الداخلية، ونذر حرب أهلية، ثم المنافسة الواضحة لأمريكا من قبل روسيا والصين، كما بينته الأزمتان التي افتعلتهما الولايات المتحدة في أوكرانيا وتايوان، وتراجع القوات الأمريكية في المواجهات العسكرية.

وقد جاءت أكثر التحذيرات مصداقية على لسان الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر الذي يصفه كثير من الأمريكيين بـ(الناسك) و(ضمير الشعب الأمريكي)، فقد حذر من حرب أهلية في الولايات المتحدة، كما تحدث كارتر عن تخوّفات من أنصار ترامب ومعظمهم من البيض العنصريين الذين أصبحوا حركة سياسية جماهيرية جديدة شعارها العنف واستخدام القوة.

كذلك برزت نزعات انفصالية من بعض الولايات، ويقول تقرير للمعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة في الانتخابات، ومقرّه استوكهولم: إن الولايات المتحدة أصبحت ضحية للميول الاستبدادية، وهناك فقدان ثقة بصنّاع القرار ووسائل الإعلام وبالنخبة السياسية الفاسدة.

ويقول دانييل زبيلات صاحب كتاب (كيف تموت الديمقراطية): (إن ثقافة الحوار تعاني انهياراً طويلاً، وأن الأحزاب السياسية الأمريكية باتت أكثر تطرفاً، وهي تتحمل مسؤولية الاستقطاب السياسي، وتدفع باتجاه الانتقال من التنافس والتعدد السياسي إلى الانقسام والإقصاء، ما يؤدي إلى مزيد من التراجع الأمريكي.

على أي حال، وحسب آراء عدد من المحللين السياسيين، فإن التراجع الأمريكي لم ولن يتوقف، وهو مقدمة لبدء انهيار شامل بحلول عام 2030 كما حذر الباحث الكندي هومر ديكسون.

 

العدد 1105 - 01/5/2024