قمم التغيير من طهران 1943 إلى طهران 2022

طلال الإمام_ السويد:

عقد في عام 1943 اجتماع ثلاثيا في طهران لقادة الحلفاء، شارك فيه ستالين، وتشرشل وروزفلت، ناقش مجريات الحرب العالمية الثانية عسكرياً، ومستقبل القارة الأوربية والعالم بعد انتهاء الحرب وهزيمة النازية. كما بحثت القمة الاتفاق على إقامة منظمة دولية على أنقاض عصبة الأمم، فكانت هيئة الأمم المتحدة.

وفي عام 2022 عقدت مؤخراً في طهران أيضاً منذ أيام قمة ثلاثية. فهل تؤشر القمة الحالية أيضاً إلى ولادة عالم جديد وهزيمة القطب الواحد؟

لا يمكن النظر إلى نتائج القمة الثلاثة التي عقدت في طهران بين قادة روسيا، وإيران، وتركيا، خارج سياق العملية الجيوسياسية العالمية الجارية. هذه العملية التي تؤشر إلى ولادة عالم جديد متعدد الأقطاب وأفول عالم أحادي القطب عانت منه البشرية الويلات على جميع الأصعدة. كما جاء اللقاء بالتوازي مع جولة بايدن الشرق أوسطية الفاشلة وفق الكثير من المؤشرات.

إن تمحور هذا اللقاء في طهران حول الوضع في سورية له دلالات هامة جداً ومفصلية بالنسبة لمستقبل بلد يعاني منذ أكثر من عقد من الزمن من ويلات إرهاب وحصار ظالم.

لو أردنا قراءة مجمل أعمال القمة بتأنٍّ نجد أنها ورغم تمحورها حول الوضع السوري، لكنها تتجاوزه من حيث حجم الاتفاقات الاقتصادية التي وقعت بين بلدانه، وتوسيع دور البريكس بانضمام دول أخرى مثل مصر والسعودية وربما غيرهما كما تناقلت الأنباء. صحيح أن البيان الختامي تناول تعابير عامة وهامة كررت في أكثر من لقاء سابق مثل: الالتزام الراسخ بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، ورفض احتلال الجولان، مكافحة الارهاب، عودة اللاجئين وقضايا المعتقلين والمختطفين، رفض الحصار أحادي الجانب المفروض على سورية، الذي يتعارض مع مبادئ القانون الدولي والشريعة الإنسانية. التأكيد على استبعاد الحل العسكري للأزمة السورية وأهمية الحل السياسي وفق القرار الدولي 2254 ومخرجاته.

إذا كانت كل هذه المبادئ الهامة قد جرت الإشارة إليها سابقاً في أكثر من لقاء في أستانا، وجنيف وسوتشي، إذاً ما هو الجديد في هذه القمة؟

نعتقد أن الجديد هو أن الكثير من بنود البيان الختامي احتوت عبارات دقيقة واضحة وحاسمة خلت منها البيانات السابقة. نورد أهمها:

* رفض جميع المحاولات الرامية إلى خلق حقائق جديدة على الأرض بذريعة مكافحة الإرهاب، بما في ذلك مبادرات الحكم الذاتي (قسد) غير المشروعة مع الوقوف في وجه المخططات الانفصالية الهادفة إلى تقويض سيادة سورية وسلامتها الإقليمية وتهديد الأمن القومي للدول المجاورة بما في ذلك من خلال الهجمات والتسلل عبر الحدود.

* بالنسبة إلى الوضع في الشمال السوري، أكد البيان أن الأمن والاستقرار في هذه المنطقة لا يمكن تحقيقهما إلا على أساس الحفاظ على سيادة البلاد ووحدة أراضيها. وأعرب عن معارضة القادة لجميع عمليات الاستيلاء غير القانوني على النفط السوري وعائداته التي ينبغي أن تعود لسورية.

*وبالنسبة إلى الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب تم التأكيد على ضرورة الحفاظ على الهدوء على الأرض من خلال التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقات المتعلقة بإدلب. مع القلق البالغ من وجود الجماعات الإرهابية التي تشكل خطراً على المدنيين داخل وخارج منطقة خفض التصعيد في إدلب.

* إدانة استمرار الهجمات العسكرية الإسرائيلية على سورية باعتبارها انتهاكاً للقانون الدولي والإنساني وسيادة سورية ووحدة أراضيها، كما أنها تزعزع الاستقرار وتزيد من حدة التوتر في المنطقة.

نعتقد أن هذا اللقاء هام أيضاً من ناحية الوقوف بحسم ضد أية عملية عسكرية تركية في الأراضي السورية (المهم أن يلتزم أردوغان بما يصرح به).

إن وضع هذه النقاط بشكل واضح من قبل المجتمعين يدل مرة اخرى أن موازين قوى جدية تخلق على الأرض، كما تمثل توجيه عدة رسائل إلى بعض الجهات:

رسالة للأمريكان ومن يدور في فلكهم على أن دورهم يتآكل ويتراجع سواء بالنسبة للأزمة السورية أو على مستوى الوضع العالمي،

واخرى إلى بعض القوى الكردية ذات النزعة الانفصالية أن حساباتهم القائمة على الدعم الامريكي وسرقة النفط السوري وإدارة ظهرهم للدولة السورية سيجعلهم يدفعون ثمناً باهظاً.

أخيراً رسالة إلى بعض القوى التي مازالت أسيرة أجندات إقليمية ودولية تتعارض كلية مع أماني السوريين.

نقول ذلك دون أن نعني أن طريق حل الأزمة السورية صار سالكاً. نحن ندرك أن لكل دولة من الدول الثلاث التي التقت في طهران أجندتها الخاصة التي تتقاطع بهذا الشكل أو ذاك مع بعضها أو مع آمال السوريين وطموحاتهم.

لكن الهام أن البيان الختامي صدر بالإجماع بمعنى أن الموقعين عليه متفقون على بنوده. ويبقى الأهم هو مدى التطبيق وتحويل تلك البنود إلى واقع.

أخيراً لابد من الإشارة إلى التنسيق العالي بين أصدقاء وحلفاء سورية (روسيا وإيران) وهو ما برز في زيارة وزير الخارجية السوري إلى إيران عشية لقاء القمة والتشاور الدائم بين القيادتين السورية والروسية. نأمل أن يعقد الاجتماع القادم بحضور الدولة السورية.

العدد 1105 - 01/5/2024