أمّة بلا شباب أمّة عجوز

ريم داوود:

ننتقل، نستقر، نختلف، نتشارك الأفكار والأعمال، لكننا في النهاية نسعى نحو هدف واحد هو الاستمرار والبقاء. قلق وحالة من التفكير المتواصل يعاني منها جيل الشباب، تلك الفئة التي باتت تختفي وتتلاشى من مكونات الشعب السوري، شحٌّ واضح في وجودهم بات ملحوظاً ومدركاً من قبل الجميع.

يعاني الشباب في عصرنا الحاضر شبحاً جديداً غير الذي عرفوه واعتادوا عليه في أفلام الكرتون ومسلسلات الرعب، شبحاً أربكهم أضعاف ما أخافتهم أوهام الطفولة، صعوبات، عراقيل، ومخاوف سوق العمل باتت اليوم الشغل الشاغل لمعظم شباننا، فضلاً عن المنافسة غير العادلة التي يخوضها الخريجون في كل عام. ضغوطات مادية ومعنوية تطول الجانب النفسي والاجتماعي، وحالات من الاكتئاب والقلق والأرق باتت ترافق هؤلاء الصاعدين نحو المستقبل، وكيف سيكون شكل هذا المستقبل مع جيل انقسم بين حالم بالسفر يائس من الحال الراهن غير قادر على التطور والتقدم، وقسم مهاجر مغادر مسافر بالفكر والجسد؟

*استنزاف الطاقات الشبابية: تعتبر هذه المرحلة العمرية مرحلة هامة وأساسية في مكون أي مجتمع، فجيل الشباب هو عنوان التطور، الديمومة، التنمية، التقدم والإبداع. مع الشباب ينهض المجتمع ويرتقي بفكره مُجدّداً مُغيّراً ومحوّلاً المجتمع من حالٍ إلى حال، فالأمة بلا شباب هي أمة عجوز، هشّة، ضعيفة تقوى عليها كل الصعوبات، والشباب هم العملة الصعبة وعنوان الوطن والمواطنة. لقد مللنا وللأسف الحديث عن الحرب والحروب، وضاقت صدورنا من طول انتظار التغيير. حُطِّمتُ ضلوعنا ومللنا الوقوف على الأطلال تائهين ضالين غير مدركين الجهة والوجهة، نسعى بروح التفاؤل والأمل نحو مبادرات وأعمال قد نجد فيها الخلاص والملاذ. لقد أبدع الشباب السوري مُظهراً تقدماً منقطع النظير في مختلف الدول التي لجأ إليها وعلى مختلف الأصعدة، مُحقّقاً علامة فارقة ونقطة تحوّل واضحة مهنياً، علمياً، اجتماعياً واقتصادياً.. والسؤال هنا: لماذا ندع هذه الثروة تُسلب كغيرها من الثروات؟

*بعض النصائح التي قد تساعد جيل الشباب في تخطي عراقيل الواقع: كلنا نعلم أن الصراع اليوم أصبح على العلن أمام انعدام أو عدم توفر فرص كافية لعدد المتقدمين إليها، الشيء الذي يدفع بغالبية الشباب للتفكير مُسبقاً بحلول بديلة كالسفر يقيناً منهم أن هذا الحال لن يرتقي بهم وبطموحاتهم نحو التقدم، بل هو مجرّد تخدير وتمريك لسنوات عمرهم التي لن تعود إن ذهبت. وعليه لابدَّ لكل شاب أن يسعى إلى:

-تطوير الذات: بما أن المجتمع يعاني اليوم من مشاكل سوق العمل التي لم تعد تناسب خريجي الجامعات كلٌّ حسب اختصاصه ودراسته، لذلك لابدّ للشباب من العمل بشكل جدي على تطوير ذواتهم بطريقة تمكّنهم من التميّز والتفرّد على صعيد العمل والعلم بما يضمن لهم فرصاً أكبر في سوق العمل.

-التطوّع والتدريب: يعتقد الغالبية أنه بمجرّد حصولهم على شهادة علمية سيجدون فرص العمل تنهال عليهم كزخّات المطر، لكن الحقيقة والواقع يصدمهم وسرعان ما يحاولون بعض المحاولات التي تبوء بالفشل، كون غالبية الوظائف تتطلّب خبرة مسبقة، وهنا بيت القصيد. يُعدُّ التطوّع من أهم النقاط التي تضيف لحصيلة الإنسان العملية والمهنية خبرات جديدة وفعّالة على الصعيدين الاجتماعي والعملي، كما أنها من الممكن أن تعود عليه بالمردود المادي الذي قد يحلُّ أزمة ما، لذلك عليهم ألاّ يتردّدوا في هذه الخطوة.

إنّ فئة الشباب هي المحرّك الأساسي في أيّ مجتمع، وهي عماد نهوضه مهما بلغت الحكومات من تقدّم وتطوّر في أيّ مجال، ودون جيل الشباب لن تستطيع الاستمرار، والدليل على ذلك الفترة التي مرّت بها دول أوربا بعد أن أُطلِق عليها لقب القارّة العجوز، الشيء الذي دفع بحكوماتها لإيجاد حلول سريعة وناجعة لمواجهة تلك الأزمة، مُتخطّين ما مرّوا به خلال سنوات قليلة، مدركين أن استمرار بقائهم وتقدّمهم مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بتلك الفئة، الأمر الذي يجب أن يدفعنا أيضاً للتفكير بمجموعة من الحلول الإيجابية التي تُحفّز بقاءهم كتأمين فرص عمل، تذليل الصعوبات التي تواجههم، توفير فرص مناسبة، إشراكهم في صنع القرار، فالشباب هم الوطن وهم البقاء والاستمرار، فلندعم بقاءهم كي نبقى على قيد التطوّر.

العدد 1105 - 01/5/2024