صراخٌ في مهب الرِّيح

إيناس ونوس:

من المتعارف عليه على مرِّ الزَّمن أنَّ أيَّ تقدُّمٍ أو تطوُّرٍ في أيِّ مجتمعٍ يقوم بالضَّرورة على العناصر الشَّابة، لكونها الأكثر ديناميكيةً وقدرةً على تلقُّف كلِّ ما هو جديدٌ ومتطوِّر، وعلى هذا فإنَّنا نعتبر أنَّ زجَّ الشَّباب في بناء مجتمعنا بغية تطوُّره وتقدُّمه يُعدُّ من أهمِّ الأولويات حالياً، تحديداً في المرحلة الحرجة التي تمرُّ بها البلاد اليوم، غير أنَّ هذه العناصر الشَّابة تُعاني ما تعانيه من ضيقٍ في الأفق وانحسارٍ للأمل وانعدام القدرة على تقديم أيّة مبادرة، نظراً لما تعيشه يومياً في هذه البلاد التي تهزأ بأبنائها مع كلِّ صباحٍ ومساء، دافعةً إياهم للبحث عن شتّى سبل التِّرحال والسَّفر والهجرة التي بات الحديث عنها مؤخَّراً حديث الشَّارع على مدار السَّاعة، إذ لا تخلو جلسةٌ من هذا الحديث، بل لم يعد بيننا ما نتحدّث عنه سوى هذا الموضوع، فالغالبية يجدونه الحل الأمثل لكل ما يعانون منه على كل الصُّعد سواء التَّعليمية أو المهنية وحتى المعاشية والصِّحية والأسرية.

يصرخ شبابنا الذين يركضون ليلاً ونهاراً حتى يتمكَّنوا من تلبية بعضٍ من متطلَّبات بيوتهم وعوائلهم، وليتهم يستطيعون، بحكم الغلاء الفاحش والوضع الاقتصادي الذي يزداد تردِّياً يوماً بعد آخر، يصرخون بوجه وحوش السُّوق الذين لم يعد يُشبع نهمَهم شيءٌ، وبوجه الحكومة التي تصمُّ أذنيها عن كلِّ الشَّكاوى والصُّراخ الذي يتعالى، ولا تقوم إلاّ بدور شرطي المرور الذي يقف مراقباً غير فعَّال إلّا عندما تقع بين يديه إحدى الفرائس فيطبّق عليها القانون الذي فُصِّل خصيصاً لمثل هذه الحالات، يصرخون مع كلِّ نفسٍ:

_ آن الأوان لأن تعترف الحكومة الموقَّرة بنا على أننا بشرٌ تحقُّ لنا أبسط الحقوق من مأكلٍ ومشربٍ ومسكنٍ والعيش مع أسرنا وأبنائنا مستقبلاً عيشةً حقيقيةً كريمةً وليس مجرّد مساكنة مؤقَّتة بحكم إكراهنا على البحث الدائم عن عملٍ يغطِّي أبسط الحاجات.. غير أننا نكون من أكثر الحالمين إن اعتقدنا أنها ستجد الحلول لهذه المشاكل، بينما هي وزبانيتها من يعملون على إذلال المواطن يوماً بعد آخر، غير آبهين بانتشار المزيد من الجرائم والسرقات والدعارة والتشرّد والتسوّل عدا الأذيات النفسية التي تجعل من كلِّ إنسانٍ يسير في الشارع يُكلّم نفسه وكأننا في مشافي المجانين.. فإلى متى سنبقى على هذا الحال؟

_ لطالما سعى الإنسان للعيش في وضع اقتصادي مريح يلبي له كل احتياجات معيشته واستقراره، وكما هو بديهي أن الإنسان الذي يعيش مطمئناً لأنه لبّى أهم احتياجات بقائه على قيد الحياة، سوف يسعى للتطور بخوضه غمار تجارب عديدة في مختلف مناحي الحياة، أمّا أن يبقى همّه الوحيد السعي لتأمين لقمةٍ يسدُّ بها جوعه وجوع أبنائه، أو غطاءٍ يقيه صقيع بردٍ قارس، أو نقطة ماءٍ يروي بها عطشه في حرٍّ لاذع، أو فرصة عملٍ تبعده عن شرِّ الحاجة للغير، فإنه بذلك لن يتمكّن من التفكير بأمورٍ أخرى على الرغم من أهميتها ستُصبح بالنسبة له نوعاً من الترف والبذخ غير اللّازمين أبداً.

_ ما هي الجريمة التي ارتكبناها بحق بلدنا وحكوماتنا ليعاقبونا بهذا الشكل حتى وصلنا إلى مرحلةٍ بتنا نخشى المرض لأننا لا نملك ثمن الدواء أو أجرة معاينة الطبيب مثلاً؟

_ لسنا نحن من أدى لتفشّي البطالة ورمي خيرة الشباب في براثن المخدّرات والدعارة والقتل.. باتت جريمة القتل بدافع الجوع أسهل من تناول كوب ماء! بات الطلاق وتفكيك أسرة بأكملها ورميها في مهبِّ الريح أسهل ألف مرة من الحصول على ليتر من المازوت للتدفئة شتاءً!! صار التوجّه نحو أيما عمل يسدُّ جوعاً حتى ولو كان السرقة أو الدعارة أفضل من التوجّه للتعليم ونيل الشهادات التي لم تعد تعني شيئاً!!

مُكررين السُّؤال الذي لا جواب عليه: إلى متى؟

إلى متى سنبقى نحن من يدفع ثمناً لكل أزمة؟

إلى متى سيبقى الشباب السُّوري مَن عليه أن يجد الحلول لكل ما يلحق به من أذى، ولا من مساعدةٍ من أحد؟

ولماذا؟

لماذا قُدِّر علينا أن نعيش دوماً نركض وأبسط حقوقنا تركض أمامنا ولا نطولها؟

لماذا كلَّما عشنا بعضاً من الأمل بغدٍ أفضل يأتي مصاصو الدِّماء ليقضوا على كل أحلامنا وآمالنا؟

ألسنا بشراً ومن حقنا العيش الرَّغيد في بلدٍ لو لم يقم عليه اللُّصوص وتجّار الأزمات، لكان مكتفياً بكل شيء، ولسنا بحاجة لمدِّ اليد لهذا وذاك، أو الهجرة والرَّحيل بحثاً عن معيشةٍ أفضل؟؟

أما من مجيب!؟

العدد 1104 - 24/4/2024