من بديهيات عالم التجارة

د. أحمد ديركي:

منذ أن عرف الإنسان الاستقرار من خلال اكتشافه لعالم الزراعة، برزت مسألة تقسيم العمل، وما تبع هذا التقسيم من تغيّرات جذرية في طبيعة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وقد عمل الإنسان على تطوير هذه المنظومات المتشابكة.

عرف الإنسان بداية فائض الإنتاج بمعنى الفائض عن حياته المعيشية وحاجة الآخرين لهذا الفائض، فدخل عالم التقايض.

عالم تبادل فيه سلعة مقابل سلعة أخرى، والسلعة هنا يكون الطرفان بحاجة إليها وإلا لن يكون لتبادل السلع من وجود. وطور هذا العالم التبادلي، أي مقايضة سلعة مقابل سلعة، فترة زمنية ليست بقصيرة، انتقل الإنسان بعد ذلك إلى اختراع النقود، فأصبحت النقود قيمة كل السلع، ويجري تبادلها وفقاً لقيمة النقود. ولن ندخل هنا في تفاصيل هذه المسألة، ويمكن العودة إلى كتابات كارل ماركس، في كتابه (رأس المال)، وكثير من كتاباته الأخرى المتعلقة بهذا الأمر لمعرفة المزيد من التفاصيل حول هذا الأمر.

تطورت أنظمة الإنتاج ووصلت إلى مرحلة نمط الإنتاج الرأسمالي، وأصبحت مسألة تبادل السلع أكثر تعقيداً، مع عدم إهمال فكرة أن نمط الإنتاج الرأسمالي بحالة تطور دائم لأسباب متعددة، ومنها مسألة الصراع الطبقي.

وكان من نتائج نمط الإنتاج الرأسمالي ظهور فكرة (الدولة – القومية)، والإمبريالية وكثير غيرها من المفاهيم المناسبة لهذا النمط الإنتاجي.

ومن انعكسات الإمبريالية على منطقتنا اتفاقية سايكس – بيكو التي على أساسها جرى تقسيم العالم العربي إلى (دول) تخدم مصلحة الإمبريالية بالدرجة الأولى. مع عدم إهمال فكرة أن الدول الإمبريالية، الرأسمالية المتطورة، متبدلة أيضاً، فقد انتقل مركز ثقل الرأسمالية من أوربا إلى أمريكا. إلا أن المنطقة شهدت مسألة أرى أنها تخدم القوى الإمبريالية وتمثلت بإنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.

كيان اغتصب أرض فلسطين بدعم قوي جداً ومباشر من قبل القوى الإمبريالية، وبعض الأنظمة العربية التي نشأت من اتفاقية سايكس – بيكو.

رفضت معظم الأنظمة العربية الاعتراف علناً بهذا الكيان المغتصب لأرض فلسطين، ومن ضمن عدم الاعتراف كان هناك مسألة المقاطعة التجارية مع الكيان المغتصب.

وها نحن أولاء اليوم نشهد عمليات (تطبيع) معه. و(التطبيع) يعني التبادل التجاري. الأمر المعيب في الأمر، طبعاً إضافة إلى الاعتراف بهذا المغتصب، هو التفاخر بالتبادل التجاري والاتفاقيات التجارية معه. فدول الامارات العربية المتحدة وقّعت مؤخراً اتفاقية التبادل التجاري مع هذا الكيان المغتصب. وهنا يمكن طرح السؤال التالي، في عالم التجارة، ماذا تنتج الإمارات لتوقع اتفاقية تبادل تجاري مع الكيان المغتصب؟ الإجابة: لا تنتج شيئاً. فالإمارات مجرد مركز مالي وممر تجاري للعديد من الدول العربية والإقليمية. في مقابل هذا نجد الكيان المغتصب لفلسطين ينتج بضائعه لتباع في الأسواق العالمية، وبضائعه قائمة على أساسين هما: دعم القوى الإمبريالية له، ودماء الشعب الفلسطيني، فبضائعه معجونة بدماء الشعب الفلسطين.

وها هي ذي الإمارات تسمح بتسهيل مرور بضائع هذا الكيان وتبادلها، بلا مقابل سوى المزيد من دماء الشعب الفلسطيني. فكل تسهيل لبضائعه يعني قتل المزيد من الفلسطينيين على أيدي هذا الكيان المغتصب لفلسطين.

يا له من فكر تجاري لدى لدولة الإمارات التي لا تنتج شيئاً سوى السماح للكيان باغتصاب أرض فلسطين وقتل الشعب الفلسطيني! فهذه ليست بتجارة يا دولة الإمارات بل خيانة للقضية الفلسطينية. فالتجارة بحاجة إلى تبادل منتج مقابل منتج!

العدد 1105 - 01/5/2024