دراما تحاكي الواقع.. فتنبش أسوأ ما فيه

ريم داوود:

كعادتها، تسابق الدراما السورية الريح وكأنها في ماراتون الفائز فيه من يصل أولاً. عد تنازلي يبدأ مع بداية شهر رمضان، ترويج وإعلانات وبروموهات تُناغم عقل المحطات التلفزيونية للحصول على أكبر عدد ممكن من العقود الشرائية التي تضمن حق وأتعاب العاملين والقائمين على تلك المسلسلات التي في كثير من الأحيان تُباع قبل إنجازها. ضخامة في الإنتاج، جرأة في الطرح، قوة في الأداء هكذا يتمثّل محتوى ما تقدمه الدراما السورية كما عهدناها منذ زمن. مجموعة منوّعة من الأعمال منها ما يُحاكي البيئة الشامية، ومنها ما يطرح أفكاراً كوميدية بصبغة ناقدة، وأخرى تهدف لمحاكاة الواقع الاجتماعي مُعرّية إياه بجرأة كبيرة مُسلّطة الضوء على ثغرات وحقائق كامنة، أو ربما يعمل الكثيرون على طمسها ودفنها خلف أبواب الحقيقة.

أهمية الدراما: تُشكّل الدراما نواة ولبّ الفن، فهي الوجه الأول والعملة الأساسية له، وتُعتبر الدراما من أفضل الأعمال الأدبية التي من خلالها يُحاكي الممثّل الواقع المعيش الذي يمكنه من معرفة آراء الجمهور من حوله وردود أفعالهم حول الموضوع المطروح، ومن باب التأكيد على أهمية هذا الدور للدراما وُجِدَ ما يُسمّى بالسيكودراما، وهو نوع من العلاج النفسي الذي يفسح مجال للمريض بتمثيل الدور الذي يمرُّ به أو مرَّ به، أو من المتوقع أن يعيشه في المستقبل. انطلاقاً من هذه الأهمية العظيمة بدأت الدراما السورية مشوارها الحفيف بالتزامن مع انطلاق التلفزيون السوري عام ١٩٦٠ فعرضت لنا أولى أعمالها مُجسدة أحداث الثورة الجزائرية وأمجادها وبطولاتها، وقد توالت الأعمال التلفزيونية بعد ذلك مُخلّدة أسماء نجوم كبار من ممثلين ومخرجين وكُتّاب وغيرهم من طواقم العمل الذين أبدعوا على مدار سنوات. لقد عانت الدراما التلفزيونية خلال فترة مسيرتها من خضّات وسقطات بين الحين والآخر، فكنا نجدها تتراجع أشواطاً كبيرة بعد أن تصدّرت، لأعوام، القنوات المحلية والعالمية مُعلنة بأسف شديد عجزاً انتاجياً كانت الحرب التي مرت بها البلاد سبباً رئيسياً في هذا العجز.

الدراما التلفزيونية السورية: منذ ثلاث سنوات تقريباً استعادت الدراما السورية رونقها، فأعادت إثبات وجودها كرقم صعب وعملة نادرة بين زحمة الأعمال الدرامية التي تُعرض في كل عام من شهر رمضان، لكن اللّافت في الأمر أنه ومع كثرة عددها لابدّ أن يدور حجر الروليت ليختار اثنين منها مسوّقاً إياها على أنها الأفضل من ضمن الاعمال المطروحة. لكن ما يثير الدهشة ويربك الأفكار ويدخلنا في موجة من القلق هو المخرجات التي يقطفها المجتمع بعد كل عمل درامي، ولكي نكون دقيقين أكثر لابدّ أن نتطرّق لآفة كبيرة بتنا اليوم نعاني منها في العلن ألا وهي مشكلة (النبّاشة) فقبل عرض المسلسل الذي عايش واقع أولئك الأطفال مُسلّطاً الضوء على الشبكات التي تعمل داخل المكبات والتي توظّف وتُجنّد صغار السن لتكون الواجهة لها ويدها الخفية، وقبل عرض ذاك العمل لم تكن العاصمة تعاني من هذا الضخّ الكبير للنبّاشة ذلك أنهم كانوا يعملون ليلاً مستترين بعباءة الظلام، فصرنا نراهم اليوم متجوّلين ليل نهار يتقاتلون على اقتسام غنائم الحاويات والأبرع فيهم من يعود بالمطلوب. مظهر تقشعّر له الأبدان، صبية بعمر الطفولة يتدلّى واحدهم تلوى الآخر مقلوباً رأساً على عقب، فهل كان هدف الدراما هنا تسليط الضوء على مشكلة اجتماعية للحيلولة منها؟ أم لجعل الوضع أسوأ ممّا هو عليه؟ هل تسعى الدراما السورية للبحث والتنقيب عن مشاكل المجتمع وأوجاعه ومخاوفه بهدف ايجاد الحلول المناسبة؟ أم أنها مجرّد أعمال تُعرض بهدف (الترند) ونسبة المشاهدات الكبيرة؟ أسماء وأسماء لأعمال درامية ومسلسلات اجتماعية حاكت الواقع السوري منذ أكثر من ١٠ سنوات ولم تُحرّك هذه الأعمال ساكناً. والسؤال هنا: ماذا نستفيد من تعريّة الواقع بهذا الشكل المُستفز للمشاهد؟ ما الهدف من عرض أعمال بضخامة إنتاجية كبيرة دون العمل على طرح حلول مفيدة؟

أخيراً: إن كانت الدراما ستفرز لنا شوائب هذا المجتمع بشكل علني وجلي دون طرح حلول لها أو العمل على الحدِّ منها، فالأفضل لهذه الدراما أن تتّخذ مجرىً مُغايراً لما هي عليه.

العدد 1105 - 01/5/2024