أسعار رمضانية!

محمود هلال:

حلّ شهر رمضان في هذا العام 2022 مطلع نيسان الجاري، وحدث بين ليلة وضحاها انقلاب كارثي بالأسعار، وكأنما اقتربت الساعة وانشقّ القمر، وهبّت الأسعار على نحو جنوني مفاجئ أكثر مما هي عليه، وأصبحت جميع أنواع السلع والمواد الغذائية الأساسية والخضراوات والفواكه واللحوم تُتداول بأسعار رمضانية فلكية تكوي القلوب قبل الجيوب وتدمع العين.

وكأن شهر الصوم حلّ ليزيد الغلاء غلاء، علماً أنه شهر فضيل له أجواؤه الرمضانية الخاصة به، ليكون شهراً للتقارب والتراحم والتواصل، وقد كانت تكثر فيه العزائم والولائم والموائد الرمضانية والمودة والرحمة، ولكن أين نحن الآن من كل ذلك؟

حلّ رمضان هذا العام ومازالت تبعات الحرب والحصار على سورية مستمرة، ومازال المواطن السوري يعاني من تدهور أوضاعه المعيشية والحياتية، ويعاني شتى أشكال الاستغلال، من تجار الحروب والأزمات، ويعاني من غلاء فاحش بالأسعار مع تراجع القوة الشرائية لليرة بسبب ضعف الرواتب والأجور، إذ لا يتجاوز أفضل راتب 150 ألفاً، بينما الأسعار زادت عشرات الأضعاف، وباتت المائدة الرمضانية تفتقد إلى العديد من الأطباق الأساسية.

وكما هي العادة مع حلول الشهر الفضيل، تقفز جميع الأسعار وتصل بقفزة واحدة إلى المريخ، وقلما تجد سلعة واحدة بقيت على حالها. فمنذ اليوم الأول لرمضان شهدت أغلب المنتجات الزراعية والسلع المتوفرة في الأسواق زيادة كبيرة في أسعارها، ويمكن قياس ذلك ابتداء من باقة البقلة التي وصل سعرها إلى 1500 ل. س، مروراً بالبندورة التي ارتفعت إلى نحو 4500 ل. س وهي منتج محلي، وتجاوزت أسعار الموز المستورد 3500 ل. س، وكذلك البطاطا والباذنجان وصولاً إلى الخيار والليمون ولا تنس الفواكه بجميع أنواعها.. وكذلك حدّث ولا حرج عن أسعار اللحوم التي قارب سعر الكيلو منها إلى نحو 35 ألف ليرة، والفرّوج الذي حلق عالياً ووصل إلى نحو 20 ألف ليرة، وكذلك الأرز والسمون والألبان والأجبان وكل ما يخطر على بال المستهلك، فأقل وجبة إفطار تكلف أكثر من 25 ألف ل. س، فضلاً عن وجبة السحور التي تتطلب الجبنة واللبنة والزبدة والبيض وغيرها.

والسؤال الذي يُطرح دائماً: ما الذي يحصل بين يوم وليلة؟ وما الذي يتغير على السلع بين شعبان ورمضان؟ أم أن هناك ذرائع ومبررات واهية جاهزة ذلك سلفاً؟!

يقال: رمضان كريم، ولكن السؤال: كريم على من؟ رمضان هو شهر الصوم، شهر العبادة، شهر الرحمة، لكن للأسف التجار لا يصومون، بل يحولون هذا الشهر إلى موسم لتحقيق الأرباح وتكديسها من خلال زيادة الأسعار، ورغم ذلك يقسمون بأغلظ الأيمان إن تجارتهم خاسرة وغير مربحة.

وكما هو معلوم، الأسواق تحكمها دائماً عملية العرض والطلب، ولكن أحياناً ينصاع الناس تحت تأثير الشائعات والخوف من ارتفاع الأسعار في رمضان، والمطلوب هو زيادة الوعي الاستهلاكي، إذ يمكن أن يحصل كلٌّ على حاجياته بشكل يومي ولا داعي للإسراف غير المبرر في هذا الشهر، والمطلوب أيضاً أن يبقي مصروفه كباقي أشهر السنة وألا يغالي كثيراً في المشتريات، وبذلك قد يمنع الغلاء ويخفف، إلى حدٍّ ما، من استغلال التجار لهذا الشهر.

ومن جهة أخرى على المواطن أن يقوم بالدور الرقابي على السلع المطروحة في الأسواق، فهناك باعة يحاولون تمرير بضاعة وسلع فاسدة أو منتهية الصلاحية وبأسعار عالية، وعليه ألا يتردد في الاتصال بالجهات الرقابية والمعنية التي هي شبه غائبة خاصة في القرى والأرياف، وهي عليها بالأساس القيام بهذه المهمة، وأن تشد أزر المواطن وتكون شريكة معه في ضبط الأسواق ومحاربة الغش وألا تتركه فريسة لضعاف النفوس وعديمي الأخلاق والضمير.

بقي أن نقول إن المواطن، الذي صمد وضحى وقاوم، يستحق كل الاهتمام من حكومته، وذلك بتأمين مستلزمات الحياة الكريمة له وحمايته من استغلال التجار والفاسدين والغشاشين، وذلك بضبط الأسواق، وبأن تقرر زيادة سريعة للرواتب والأجور، تقلص الفجوة الكبيرة والبون الواسع بين الأجور والأسعار، لكيلا يقول المواطن لأولاده: افتحوا أفواهكم للريح لتمتلئ بطونكم.

العدد 1104 - 24/4/2024