إلى أين المفر؟

حسين حسين:

بعد أن واصلت أسعار الخضار والفواكه والمواد الأساسية الأخرى الضرورية لمعيشة المواطن تحليقها الصاروخي وكأنها تعتمد في إقلاعها على محركات الصواريخ الروسية، وصار الحصول على كيلو بندورة في غير موسمه حلم كل مواطن، واتضح أن عليه أن ينتظر حلول الموسم حتى يتسنى له أن يتأمل حمرة البندورة اللامعة وسط صحن السلطة إن كان قادراً في الأساس على شراء مكوناته أثناء موسمها؟ فماذا ينتظر هذا المواطن الذي صار لقبه (العادي)!! لينتظر بعد أن غدت حياته سلسلة من الانتظارات الطويلة لوسائل النقل، وأمام كوات مؤسسات التجارة الداخلية، والنافذة الواحدة، إلى انتظار تنفيذ الوعود الحكومية، وعلى الوعد يا كمّون!

فكيف لهذا المواطن، بعينيه الغائرتين كبئرين مهجورين من أيام الفتوحات العربية، وبساقيه النحيلتين اللتين ترفعان بقايا جسدٍ متعظم، وهو الذي سحلته عربات الحرب ولاكته أضراس التجار وأثرياء الحرب، والمحاصر بحصارين داخلي وخارجي، كيف لهذا المواطن أن يظل واقفاً في وجه أعدائه الخارجيين، بعد أن استنزف حتى آخر قطرة دمٍ، ولم يتبقَّ له من القوة ما يساعده على أن يقف دقيقة صمت واحدة إجلالاً لأرواح أبنائه الذين قدّمهم على مذبح الوطن، فراح ناهبوهم ينعمون بالرخاء.

ومن ثم إلى أي شطر ييمّم المواطن وجهه ليرفع عقيرته بالصراخ والشكوى لإلهه، إذا كانت كل الجهات من حوله قد سُدّت بأكداس القرارات والتوصيات والتصريحات الحكومية، ولم يبقَ أمامه إلا دربٌ ضيّق محفّر يؤدي به إلى الجنون أو إلى القبر.

والشعب الذي يعضّ على دمعه ويمضي منكّساً جبهته حتى لا يرى البراءة المهشمة في عيون أطفاله، ويسدّ أذنيه بوحل الطرقات لكيلا يسمع اصطكاك أسنانهم في ليالي البرد الموحشة وصوت انقباض أمعائهم من الجوع، يقف مذهولاً أمام فهم مسؤول هذا البلد لمصطلح الحضارة، الذي يعني حسب رؤيتهم أن تدمّر الأكشاك فوق رؤوس ذوي الشهداء وجرحى الحرب والفقراء، وأن تنزع اللقمة المرّة المغمّسة بذلّ المقهورين من أفواه أبنائهم، وذلك حفاظاً على المنظر الحضاري للمدينة؟!! وكيف لا، فقد يثير منظر أولئك الفقراء قرف واشمئزاز ناهبيهم وأبنائهم!!!

والمواطن الذي لسعته سياسات التجويع الحكومية بسياطها، وأرهقه الركض المستمر وراء رغيف الخبز، فهو يخرج من منزله قبل طلوع الشمس ولا يعود إلا في أواخر الليل مجعوكاً كالثياب الخارجة لتوها من الغسالة، لا يجد بداً من أن ينقلب على ظهره من الضحك وهو يستمع لتصريح المسؤول الأول في التجارة الداخلية حول رغبة الروس والألمان في أن يستفيدوا من خبرة حكومتنا في إدارة المقنن والبطاقة الذكية وضبط الأسعار!! فإلى أين يفرّ المواطن من هذا الهزء والاستخفاف بعقله ومن هذا الجحيم الذي يحيق به من كل جهة، إذا كانت كل الطرق البرية والبحرية والجوية تؤدي إلى حضن الحكومة؟

 

العدد 1105 - 01/5/2024