هل سيعود اليسار.. أو سيموت الحلم بعودته؟

محمد علي شعبان:

عندما يتهدد الوطن بالخطر من الخارج، أو من أدواته في الداخل، لا توجد منطقة محايدة، إمّا أن تكون مع الوطن أو تكون مع أعدائه. والصمت في هذه الحالات وادعاء الحيادية ليس مبرّراً، ويطرح العديد من إشارات الاستفهام. وأرقى حالات الحياد تحمل قسطاً كبيراً من التآمر، مهما كانت آراء أولئك الذين يدعون الحيادية، ومبرراتهم.

جميع البلدان فيها صراع على السلطة ويصل إلى حد الصدام بأشكال مختلفة، لكن عندما يتعرض الوطن لعدوان، أو لخطر خارجي، تصبح المسألة الوطنية فوق كل اعتبار.

بالتأكيد الغالبية العظمي من الأصدقاء يعرفون أن الوطن يتعرض لعدة أخطار، منها داخلية ومنها خارجية، ولا يمكن الفصل بينهما، فماذا يفعل الوطنيون الأحرار في مثل هذه الظروف؟

هل يلتزمون الصمت؟ أو أن هناك العديد من الأشياء يمكن فعلها؟ ربما ثقافة الإقصاء والتهميش فعلت فعلها خلال العقود السابقة.. لكن الحياة ستستمر، ويموت جنرالات كبار، وفلاسفة وحكام وقادة كبار، وتموت أفكار، وتُجدَّد أفكار أخرى، وتعود الأفكار التي تحتاجها المجتمعات، في لحظات عدم الاستقرار، رغم غيابها لفترات طويلة.

ويبقى الشعب وحده من يصنع التاريخ، ووحده من يصنع القادة الكبار، ويصنع الطغاة والعملاء والخونة.

فهو المسؤول الأول وهو من يدفع الضريبة وهو من يحصد.

وهو من يقال له عليك أن تأكل ممّا زرعت.

وحدهم الفقراء الذين يستحقون الحياة لأنهم يصنعونها بجهدهم، وهم من سينتصرون في النهاية.

كل ما يجري من حروب، بين أطراف متنازعة، هي صراعات على السلطة، والنفوذ، والثروة، يدفع ضريبتها الفقراء، بألوانهم المختلفة.

هكذا كانوا في الماضي، وفي الحاضر أيضاً.

الفقراء وحدهم من يوجد في ساحات القتال، يتحملون الجوع، والعطش والحرمان.

يوجدون في ساحات الإنتاج، في الحقول، والمصانع والمعامل.

يوجدون في قطاعات الخدمات، في المشافي، والمدارس، في المطاعم، يقدمون الخدمات حيثما وجدوا.

وأبناء الأغنياء في بروجهم، وفي الملاهي، والبارات، يتاجرون بجهد الفقراء، كوكلاء حصريين سلّطهم القدر على الفقراء للتحكم بمصيرهم، ومصير أبنائهم من بعدهم!

هذا النموذج ليس محصوراً بمكان محدد، لكنه النموذج المعمّم في معظم دول العالم، لكنه يختلف من بلد إلى آخر.

بالتأكيد تتميز بعض البلدان عن بعضها الآخر، بمسألة الحقوق. وهنالك تمايز واضح بين الشرق والغرب، وله أسبابه.

وإن أبناء الأغنياء، وأبناء الحكام، والجنرالات، وأبناء أصحاب الشركات العابرة للقارات، يتميزون عن أبناء عامة الشعب في جميع البلدان.

هكذا تحكّم قانون القوة عبر التاريخ، وفرض الظلم وشرعنه خدمة لرأس المال الحاكم، الذي كتب دستور الحياة كما يشاء، وبالتنسيق مع السلطات الدينية حيثما وجدت، ومهما كان لونها وشكلها.

إن التوافق القائم بين السلطات يجعل الفقراء المنتجين بين فكّي كمّاشة، ليس بمقدورهم صنع مستقبلهم، دون موافقة السلطات الدينية والسلطات السياسية.

لذلك يبقى التمييز والتراتبية بين البشر، يمنع المساواة، ويكرس المحسوبيات. وتبقى معادلة القوة هي الحاكم والمتحكم بمصير الشعوب التي تصنع التاريخ، وتصنع الحضارة، وتقدم حاجات الإنسان الضرورية للبقاء.

لكن الأحداث التاريخية لا تسير بخط مستقيم، بسبب التناقضات التي تتشكل بين رجال السلطة، ورجال الدين، وأهل الثروة.

ونحن على أبواب صراعات من هذا النوع، تشير إلى تمرد واحتجاج على النظام العالمي الذي تحكم بمصير البشرية، لمدة ثلث قرن من الزمن.

فهل سنشهد تغيرات واصطفافات جديدة، يتقدم فيها المدافعون عن حقوق الفقراء في العالم، رغم كل ما جرى من تهميش وتغييب لهم على مدى عدة عقود من الزمن؟

أعتقد أن المناخ مناسب لعودة اليسار إلى الساحات في معظم البلدان، بعد انكشاف وتعرية النظم الرأسمالية، التي ضللت الشعوب لعقود من الزمن، وأوصلت البشرية إلى ما هي عليه الآن، من فقر وتهميش وخوف، وتهجير وحرمان.

لقد أن الأوان لعودة اليسار العالمي، لملء الفراغ الذي ملأته القوى الدينية، مرة بالتطرف، ومرة بالتبشير، والتنجيم والتبصير، وذلك بعد أن نضجت الظروف الموضوعية لعودته، فهل سيلتقط اليساريون اللحظة المناسبة، ويعودون كمخلّصين من طغيان ثقافة رأس المال التي أنهكت الفقراء لقرون من الزمن؟!

 

العدد 1105 - 01/5/2024