الأكيتو بريختو.. رأس السنة السوريّ

عباس حيروقةً:

حقيقة لا يَملّ المرء من الحديث أو الكتابة عن سورية الحضارة.. سورية التاريخ.. سورية الأصالة والثقافة والفكر.. وقد كتبنا غير مرة وقلنا كم يحق للسوري أن يفاخر بسوريته بانتمائه لتاريخ مديد من العقل والحيوية.. ولجغرافية ممتدة كامتداد الضوء والنور.. تاريخ وجغرافية من عراقة الماء والطين.

جل الآثار المادية المكتشفة تشير إلى أن ثمة أدلة محضة على وجود الإنسان السوري على هذه الجغرافية منذ أكثر من 150 ألف سنة.

منذ ذلك التاريخ.. منذ البدء والسوري يبدع على تلك البقعة الجغرافية أرقى أشكال الحضارة وأبهاها.. لذلك لا نستغرب حين يتم الإعلان عن اكتشاف مواقع أثرية وحضارية من قصور وقلاع وممالك في أي بقعة كانت من على تلك الأرض الطاهرة، فتحت أي حجرة ثمة حكاية وخلف أي جدار ثمة أصوات وأصوات.

فسورية شاء لها الله أن تكون معنى ودلالة أرض النور ومعقل السادة كيف لا و(سوريّ) هو (اسم سرياني من كلمة (سر) وتعني السيد ومؤنثه (سارة) وسورية تعني (الأرض السيدة أو أرض الأسياد أو الأشراف) وحل الاسم مكان تسمية (آرام)، وذلك بعد انتشار المسيحية ومحاولة المسيحيين تمييز أنفسهم عن الوثنيين، فأطلقوا على أنفسهم تسمية السريان (أو السوريين) أي الأشراف وبقيت تسمية (آراميين) للدلالة على الوثنيين).

مناسبة حديثنا هذا هو ما كتب تاريخياً عنا كسوريين.. عن تقويمنا الذي اشتغل عليه بشكل متقن لإخفائه ولطمسه ولإبعاده، بل على العكس صدروا مقولة أن الأول من نيسان عيد الكذب.. وأسموها كذبة أول نيسان.. ما الغاية؟ ما الهدف من وراء هذا وذاك ؟؟!! ونحن للأسف أخذنا نسوّق للفكرة ونسخر من ذواتنا من حيث لا ندري.. إنه الجهل وحسب.

بعض المراجع تقول إن الأكيتو لهذا العام هو 6772 (بالسومرية: أكيتي سنونم) هو عيد رأس السنة لدى الأكاديين، البابليين، الآشوريين والكلدانيين، يبدأ في اليوم الأول من شهر نيسان، ويستمر لمدة اثني عشر يوماً، ويعود الاحتفال بهذا العيد إلى السلالة البابلية الأولى، أي إلى مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، ويعتبر أقدم عيد مسجل في تاريخ الشرق الأدنى.

فالتاريخ يخبرنا بأن السوري مع قدوم الربيع يحتفل تاريخياً بانتهاء عام واستقبال عام جديد وفق طقس احتفائي.. كانت الاحتفالات تبدأ في الحادي والعشرين من آذار، الأيام الأربعة الأولى منها تخصص لتقديم المسرحيات ورواية الأساطير.. بعدها تبدأ الاحتفالات الدينية لتبلغ ذروتها في عيد رأس السنة السوري.. في الأول من نيسان.. ثم تستمر حتى العاشر منه. وخلال كل هذه المدة كان من المحرم على الناس تأنيب الأطفال ومعاقبة العبيد أو القيام بالأعمال اليومية، أو انعقاد المحاكم.

والتقويم السوري يتقدم على التقويم العبري بألف عام، وعلى التقويم الفرعوني القديم بخمسمائة عام، وهو مرتبط بمواسم الخصب والربيع والزرع والحصاد.. أيام الاعتدال الربيعي وقدوم الدورة القمرية الجديدة أو دورة السنة القمرية الجديدة. وهي مرتبطة أيضاً بعشتار ربة الخصب والأم السورية الأولى.. وظل الاحتفال بعيد رأس السنة السورية مستمراً عبر آلاف السنين تحت اسم عيد الرابع إلى أن توقف من سنوات لضرورات أمنية.. ففي الرابع من نيسان حسب التقويم الشرقي (السابع عشر من نيسان حسب التقويم الغربي) كانت تقام الأفراح وتعقد الدبكات في مختلف المناطق والأرياف السورية.

ومن يقرأ تاريخ هذه البقعة العظيمة يدرك تماماً أن ما قدمه المواطن السوري من بطولات وتضحيات يؤكد أنهم أبناء بررة لسورية النور، وأن سورية تستحق كل هذه القرابين لتبقى موطن النور ومعقل السادة.

العدد 1105 - 01/5/2024