فلسطين.. فلسطين

د. أحمد ديركي:

فلسطين هي فلسطين، لا فلسطين 1967، ولا فلسطين 1948، ولا فلسطين الدولتين، بل فلسطين بكامل ترابها، فلسطين العربية الديمقراطية.

لم يتقاعس شعب فلسطين يوماً عن النضال لتحرير فلسطين، كما لم تتقاعس الشعوب العربية يوماً عن النضال لتحرير لفلسطين، ولم تتقاعس معظم الأحزاب الشيوعية العالمية ولا اليسارية يوماً عن النضال لتحرير فلسطين.

كانت القضية الفلسطينية قضية محلية وإقليمية وعالمية، لأن فلسطين محتلة من قبل دولة عنصرية تدعمها الإمبريالية العالمية، لتشكل رأس حربتها في العالم العربي. وفي الوقت عينه لتعمل على تفريق الدول العربية وتمنع وحدتهم بشكل مباشر وغير مباشر. لذا كانت القضية الفلسطينية وما زالت قضية تحرر من نير مستعمر عنصري، لذا هي قضية أكبر من فلسطين، أنها قضية عالمية.

… وبقي الحال على حاله من دون تحرير فلسطين رغم كل الجهود الجبارة بالدرجة الأولى من الشعوب العربية التي دفعت دمها ثمناً لهذه القضية. وهنا يطرح السؤال: لماذا لم تتحرر فلسطين رغم كل الدم الذي أسيل لتحريرها؟

جزء من الإجابة يكمن في طبيعة بنية الأنظمة العربية، التي من المفترض أن تكون الحامي الأول لفلسطين وحاملة لواء تحريرها. فجزء من هذه الأنظمة، في السابق، كانت، وما زالت، تخضع للإمبريالية العالمية وتعمل على تحقيق مصالح هذه الإمبريالية في الوطن العربي من خلال دعم، غير مباشر، للكيان الصهيوني. فاختلفت الانظمة العربية فيما بينها ولم تعرف كيف تتعامل مع القضية الفلسطينية إلى حد أصبحت فيه هذه الخلافات تطغى على القضية الفلسطينية وتؤثر سلباً عليها.

بعد تفكك الاتحاد السوفياتي تحولت الأنظمة العربية لأنظمة تدور في فلك الإمبريالية العربية بطريقة مباشرة وغير مباشرة، ومع دورانها في هذا الفلك بدأت تتقلص القضية عند هذه الأنظمة إلى حد أنها أصبحت قضية هامشية.

ومع مزيد من الاندماج في هذا الفلك بدأت عمليات (التطبيع) مع الكيان الصهيوني تتزايد خطوة تلو الخطة. أي يسقط نظام في وهم التطبيع ليلتحق به نظام آخر وما أكثر مبررات التطبيع الوهمي. في البدء كانت بعض الأنظمة العربية تقاطع الأنظمة المطبعة مع الكيان الصهيوني، ولكننا اليوم نشهد تصفيق نظام عربي غير مطبع لكل نظام يطبع مع هذا الكيان العنصري!

ألم تلحظ هذه الأنظمة العربية برمتها، المطبعة وغير المطبعة، مع الكيان الصهيوني أن شعوبها مخلصة للقضية الفلسطينية أكثر منها؟ ألم تلحظ هذه الأنظمة العربية أن جزءاً مما يحدث فيها من انتفاضات شعبية يتعلق بخيانة هذه الأنظمة للقضية الفلسطينية، مما أفقد هذه الأنظمة مصداقيتها تجاه شعوبها؟ ألم تلحظ السلطة الفلسطينية، بمعظم أطيافها، أن الشعب الفلسطيني لم يخن قضيته في الوقت الذي خانت فيه السلطة الفلسطينية القضية الفلسطينية؟

نعم، فلسطين لن تحررها الأنظمة بل سوف تحررها الشعوب العربية وغير العربية. سوف تحررها شعوب العالم حاملة لواء التغيير والتحرير لا الشعوب حاملة لواء الأديان ولا حاملة لواء الأنظمة السياسية بكل تلاوينها لأن جميع هذه الأنظمة تدور في فلك الإمبريالية، والإمبريالية تدعم وجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة. فهل يمكن أن يُطلب من المحتل أن يُحرر ما يحتله؟!

العدد 1105 - 01/5/2024