الاستثمار.. هل نكتفي بالقوانين؟!

ديانا رسوق:

واجهت سورية خلال السنوات الماضية ومازالت حتى الآن، أوضاعاً اقتصادية واجتماعية اتسمت بالركود والانكماش، وذلك بسبب مواجهتها لأشرس غزو إرهابي عرفته البشرية، لقد تسببت الأيادي المجرمة في تهديم العديد من القطاعات المنتجة في البلاد وحرقها وسرقتها، إضافة إلى خسارة الأيدي العاملة المدربة، وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج، وتقدر الخسائر التي تسببت بها خلال هذه السنوات بنحو 600 مليار دولار، وانعكس ذلك سلباً على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للمواطنين السوريين فخسروا أعمالهم، وارتفعت نسبة البطالة وازدادت معدلات الفقر و الفقر المدقع، وبحسب الأبحاث التي نشرت عن الأوضاع الاجتماعية في سورية فإن نسبة الفقر وصلت إلى نحو 85% .

 

ما العمل!؟

كيف يمكننا إنهاض الاقتصاد السوري، وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين بعد معاناتهم التي وصلت إلى مستوى المأساة، علماً أن الحكومات المتعاقبة أعلنت عدم قدرتها على إعادة الإعمار وإنهاء حالة الركود الاقتصادي بإمكانياتها الذاتية، بعد تراجع الدخل الوطني وفقدان الثروات النفطية وتراجع إنتاج المحاصيل الاستراتيجية وانخفاض التصدير إلى مستويات متدنية؟

الحكومات المتعاقبة وجدت الإجابة على هذا السؤال باتجاه واحد (الاستثمار). وشرعت بسن القوانين والنصوص التي حسب ظنها ستساعد على تحفيز الاستثمار بواسطة رؤوس الأموال الوطنية والاجنبية فسنّت القانون رقم 18 لعام 2021، الذي قالت بأنه تطور نوعي في قوانين الاستثمار، لكن السؤال هنا: هل عملية الاستثمار هي قوانين ونصوص وإعفاءات ومحفزات ضريبية فقط؟

الاستثمار يحتاج إلى الاستقرار، فالاستثمارات الوطنية والخارجية تحتاج إلى بيئة استثمارية في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية مستقرة، إذ مهما بلغت محفزات قوانين الاستثمار، لا يتحقق ما ترمي إليه أي حكومة من الحكومات إذا لم تتوفر هذه البيئة الآمنة لمساهمة الاستثمار في إنهاض اقتصاداتها، فمن يستثمر في بلد تخيم عليها الحرب على سبيل المثال؟

 

جدوى الاستثمار

هل سيؤدي أي استثمار إلى زيادة الإنتاج الوطني ويحقق هدف الحكومة من سّن التشريعات الاستثمارية؟

التجارب السابقة في العقدين الماضيين تجيب بالنفي، فبموجب القانون رقم 10 لعام 1991 وتعديلاته، تدفقت استثمارات كبيرة، لكنها لم تتوجه إلى قطاعات الاقتصاد الحقيقية بل ذهبت إلى المشاريع العقارية والريعية والتجارية، فمليارات استثمرت في الصناعة، لكن مساهمتها بقيت في حدود 8%من الناتج! ومليارات استثمرت في الزراعة لكن مساهمتها في الناتج المحلي تراجعت من 24% إلى 16% بين عامي 2006 و 2008! ومليار آخر استثمر في النقل، لكنه لم تذهب إلى النقل السككي والبحري، بل لشراء شاحنات وبولمانات وميكرو باصات! وما يزال المواطن يعاني أزمة النقل في النقل والتنقل! ومليارات ومليارات استثمرت في السياحة وأخرى في العقارات، لكنها لم تؤدِّ إلى تحسين الوضع المعيشي والاجتماعي للمواطن السوري، بل ازدادت الصعوبات التي يعانيها وتراجع دخله الحقيقي! فأين الحقيقة في دور الاستثمارات؟

كلمة السر في جدوى الاستثمارات هي (الدولة) وتشريعاتها والبيئة المحفزة على الاستثمار ودور الحكومات التوجيهي والرقابي على هذه الاستثمارات.

 

خطط الحكومات الاقتصادية والاجتماعية

قبل سن القوانين المحفزة على الاستثمار يجب على الحكومات أن تضع الخطط التنموية متضمنة أولوية الاستثمار، ثم تلجأ بعد ذلك إلى توجيه الاستثمارات الوطنية والأجنبية حسب هذه الخطط، فلا يجوز على سبيل المثال تهميش المناطق التي تنتج المحاصيل الزراعية الاستراتيجية، وتحفيز الاستثمارات في مناطق نامية ومتطورة لا تحتاج إلى هذا الضخ الاستثماري، كذلك على الحكومات أن توجه الاستثمارات باتجاه القطاعات المنتجة كالصناعة والزراعة ومشاريع البيئة التحتية والنقل السككي والبحري لأنها عماد الاقتصاد والوسيلة الفعالة لإنهاض الاقتصاد السوري من ركوده .

أخيراً ومع التأكيد على أهمية الاستثمارات في إنعاش الاقتصاد السوري وفي عملية إعادة الإعمار، لا ينبغي تهميش العوامل الأخرى التي يجب أخذها بالحسبان عند دراسة الخطط الموضوعة لإنهاض الاقتصاد.

لقد كَتبَ الكثير حول ضرورة مساعدة المنتجين الوطنيين في القطاعين العام والخاص اللذين لعبا دوراً اساسياً في تأمين احتياجات المواطنين خلال سنوات الحرب، وذلك بتأمين مستلزمات الإنتاج ووضع سياسة مرنة تسهل منح المنتجين القروض في هذه الظروف الصعبة، والعمل على إصلاح القطاع العام الصناعي والخدمي، لتكتمل بعدها أدوار كل محفز من محفزات إنعاش الاقتصاد السوري، وينعكس بعدها على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للمواطنين السوريين من خلال توفير فرص العمل ورفع القدرة الشرائية للمواطنين.

قد تأخذ هذه العملية فترات طويلة لكننا إذا بدأنا بالخطوات الصحيحة سيغدو ذلك قريباً.

المراجع

  • القانون 18 لعام 2021
  • تقارير الاستثمار الصادرة عن هيئة الاستثمار
العدد 1105 - 01/5/2024