سورية لا ينقذها موحّدة إلا توافقها الوطني

 بقلم إبراهيم الحامد:

أكملت سورية سنوات إحدى عشرة من الجمر في موقد أزمتها المركبة والمعقدة، وما زال شعبها يعاني من التوجه الممنهج في قتله والتنكيل به وتشريده وتهجيره القسري على أيدي أعتى قوى الإرهاب الخارجي والداخلي الممول والمدعوم من النظم الرأسمالية ودوائرها المالية العالمية ومرتكزاتها الإقليمية، وبإشراف وإدارة دوائرها الاستخباراتية، وقد ألحقت بسورية خسارة خيرة شبابها وذوي الخبرة العلمية والأيدي المنتجة، ودمرت بنيتها التحتية وصروحها العلمية والصحية وكل القطاعات الإنتاجية فيها، عدا النهب والسلب والسرقة لخيراتها ومقدراتها، حتى باتت فريسة للفساد العالمي والداخلي على أيدي أثرياء الأزمات والحروب، حتى بات معظم ما تبقى من الشعب السوري فريسة الجوع والعطش، وهو ينتظر في واقع لا يظهر في أفقه القريب ما يبشر بنهاية هذه الأزمة وهذا الواقع المرير، وجلّ ما فيه يدل على أن ملف الأزمة السورية بات في أدراج الملفات الإقليمية والدولية، تنتظر دورها في إطار تسوية عالمية إقليمية فيما بين الأقطاب العالمية، والتي هي قيد التشكل، إضافة إلى مرتكزاتها الإقليمية، وكل قطب يحاول استخدامه في الضغط على القطب الآخر من أجل بسط نفوذه، فيما سيقرّه النظام الجديد لإدارة العالم، وذلك بعد حقبة زمنية من الحرب الباردة، وتفرد القطب الرأسمالي الأمريكي في التحكّم بمصير العالم إثر انهيار الاتحاد السوفياتي.

وقد يترك الوضع السوري مفتوحاً على احتمالات عدة، أكثرها سوءاً أن يترك لعملية التأقلم والتكيف مع الوضع القائم المتشظي، والمفتوح على عمليات القص واللصق أو التقسيم، إذا ترك الوضع وعملية التسوية في يد الأطراف الخارجية المتصارعة على سورية، فإنها وإن تمت هذه التسوية في منظوره البعيد او القريب، فسوف تكون خارج إرادة الشعب السوري مجتمعاً، ولن تلبي ما يطمح إليه هذا الشعب، لأن كل طرف دولي وإقليمي سيدعم الطرف السوري الذي يدور في فلكه وينفذ أجنداته، وفي السياق ذاته سيجري حتماً إقصاء الطرف الآخر، وبذلك لن يستقيم الأمر إذا ما تم إقصاء أي طرف داخلي من عملية التسوية، وهذا ما ينذر به قرار الأممي 2254 الذي لا يشمل بعض الأطراف السورية المهمة على أرض الواقع، كما صرح به المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون مؤخراً.

وحتى تكون عملية التسوية عادلة والحل يكون سلمياً، ويحافظ على السيادة الوطنية ووحدة التراب والشعب، يفترض على السوريين عموما التوافق على الأولويات الوطنية، التي تلبي وتحقق طموحاتهم واحتياجاتهم جميعاً في المسار الوطني الآمن، هذا المسار الذي سيحافظ ويراعي خصوصيات جميع من يسير فيه، ويضمن حقوق الجميع باختلاف قومياتهم وديانتهم وطوائفهم، في ظل نظام سياسي ديمقراطي تعددي مدني وعلماني يحيّد الدولة وقيادتها، ويجعلهما على مسافة واحدة من جميع السوريين أفراداً ومكوّنات، وفي هذا السياق قد ظهر مؤخراً في الأفق العربي والدولي بعض القوى الوطنية واليسارية التحررية الخيرة والمناهضة للحروب، خطوات تعزز وتدعم هذا المسار الوطني، إلا أن بعض القوى الدولية والإقليمية الأخرى وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ومن يدور في فلكها تعيق إتمام المسار الوطني الداخلي، وتنتظر ما ستنتجه المقايضات والتسويات الخارجية على أبواب الدخول في النظام العالمي الجديد.

ففي الوقت الذي تحبذ روسيا عودة سورية للجامعة العربية ومحيطها العربي، بنظامها السياسي الحالي للحفاظ على الاتفاقيات التي أبرمتها معه، مع إجراء المصالحات الداخلية وإيجاد حل مناسب في احتواء (قسد) و(الإدارة الذاتية) في شمال سورية وشمالها الشرقي ومراعاة الخصوصية الكردية فيها، في هذا الوقت تسعى تركيا للحفاظ على تفاهماتها مع أمريكا، التي مكنتها من الدخول إلى مناطق عفرين وإعزاز وجرابلس وتل أبيض ورأس العين، مقابل أن تتفهم تركيا ما تقوم به أمريكا ووجود (قسد) و(الإدارة الذاتية) ذات الصبغة الكردية في منطقة شرق الفرات، إضافة إلى ما منحته أمريكا لتركيا من دور مهم في أفغانستان بعد انسحابها المفاجئ منها، وكذلك في كل من أذربيجان وليبيا والدور المرتقب في كل من أوكرانيا واليمن والدول العربية المجاورة لها، في ضوء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وما سينتج من التفاوض حول الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي، ويمكن حصر الخلاف التركي الأمريكي في عدم استكمال مشروعهم القاضي بإخراج (قسد)ىمن الشريط الشمالي للحدود السورية الجنوبية لتركيا بدءاً من عفرين غرباً ووصولاً إلى المالكية شرقا وبعمق 32كم باتجاه الجنوب، وشرعنة الاحتلال التركي لها بذريعة اتفاقية أضنة، وقد توقف هذا المشروع بعد دخول روسيا على الخط، وبسط سيطرتها على المساحة الممتدة من غربي عين العرب () حتى أطراف عفرين من ناحية أعزاز وجرابلس، والممتدة من شرق رأس العين حتى المالكية (ديريك) شرقاً، والضغط على (قسد) لقبول وجود القوات الحكومية السورية وبسط سيطرة الدولة السورية في الشريط الشمالي المذكور. وتبنت المخاوف التركية من ناحية الوجود العسكري الكردي فيها، بعد أن قدمت لها وعوداً بتعديل اتفاقية أضنة، وفي ظل هذه التفاهمات التركية الأمريكية من جهة، والتفاهمات الروسية التركية من جهة أخرى، وقعت أحداث مهمة كحدث سجن الدواعش في الحسكة، وقرب نهاية المفاوضات حول الاتفاق النووي الإيراني /الأمريكي، وبدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إن هذه الأحداث لا شك ستؤثر في مجرى تلك التفاهمات وستؤثر في مجرى عملية التسوية السياسية للأزمة السورية، فما على السوريين بكل أطرافهم الاتعاظ، وأخذ العبر مما حدث لهم ولبلدهم، والإستفادة منه من أجل التوافق السوري السوري وبما يخدم شعبهم ووطنهم. وللعلم فقد بات من المؤكد أن عملية انسحاب أمريكا من العراق وسورية قد بات قاب قوسين أو أدنى آجلاً أم عاجلاً، وذلك بسبب الانكفاء وبناء استراتيجية جديدة في مواجهة التحديات الصينية ونمو مخالب الدب الروسي وعودة ما يشبه الاتحاد السوفياتي السابق، وظهور بوادر عالم متعدد الأقطاب وحاجته إلى نظام عالمي جديد، وهذا كله برسم السوريين ممن فسروا مواقف الدول العظمى والإقليمية المتداخلة في الأزمة السورية ووجودها وفق مصالحهم وطموحاتهم الفئوية الضيقة بعيداً عن المصلحة الوطنية العليا.

25/2/2022

العدد 1105 - 01/5/2024