نشرة أخبار

د. أحمد ديركي:

هناك الكثير من العادات المكتسبة الناجمة عن الاختراعات التي يخترعها الإنسان، ومع كل تقدم علمي تكثر الاختراعات لأنها الترجمة المادية المعبرة عن مدى تطور العلوم التي يتقدم بها الجنس البشري عن بقية الكائنات الحية، وتمثل أحد تميزاته عن الحيوان.

فكل اختراع يبتدعه الجنس البشري يفرض تغيرات في طبيعة العلاقات الاجتماعية، وفي بعض الأحيان يلغي علاقات متشكلة، ما قبل وجود هذا الاختراع، ويوجد علاقات جديدة، وفي أوقات أخرى يعدل في هذه العلاقات، ومن ضمن هذه الاختراعات كان المذياع، او الاسم الأكثر شيوعاً له الراديو.

من الأمور التي عمل عليها الراديو مسألة نشرات الأخبار، طبعاً إضافةً إلى برامج متعددة ومتنوعة. إلا أن نشرات الأخبار شكلت عاملاً مهماً في مسألة العلاقة ما بين الجماهير والسلطة السياسية القائمة. فكان اهتمام السلطات السياسية بها يمثل مسألة جوهرية لتمتّن من خلال نشرات الأخبار موقعها الطبقي، وفي الوقت عينه تكريس أفكارها التي تعمل على تلميع صورتها، وتشويه أي عمل ضدها.

مع تطور العلوم تعددت الإذاعات وتطور الراديو ودخلت المحطات الإذاعية عالم المنافسة وشملت منافستها المنافسة السياسية. ولأن دول العالم العربي تحتل المراتب الأولى في حرية التعبير عن الرأي وتمثل دوله أفضل نموذج ديمقراطي يمكن ان يحلم به الفكر البشري، وقد سبقت الأنظمة العربية في مجال حرية التعبير عن الرأي وديمقراطية أنظمتها، نظام أثينا وفلاسفة اليونان من سقراط إلى آخر فيلسوف شهدته أثينا قبل انهيارها، كثرت محطات الراديو، وبقيت النشرات الإخبارية تحت الرقابة الصارمة للأنظمة السياسية. تطورت العلوم وأصبح هناك اختراع اسمه تلفزيون. مثّل هذا الاختراع تطوراً مدهشاً، فهو لا ينقل الصوت فقط، بل الصورة ايضاً. ولا بدّ لاختراع كهذا أن يعرض نشرة الأخبار. فأتت مماثلة لنشرة المذياع، مع فارق بسيط وجود الصورة. وها نحن اليوم نشهد ثورة في عالم الاتصالات، وأيضاً لا بد لهذه الاتصالات أن تبث نشرة الأخبار. كذلك أتت على شاكلة نشرة الراديو.

ويا لها من نشرة إخبارية مشبعة بالمعلومات الإخبارية التي تزود المشاهد العربي بجولة غنية من المعلومات الصحيحة والدقيقة على مستوى البلد، ومحيطه وبقية العالم وما يحدث فيه من أحداث.

لذا عند بداية نشرة الأخبار على الراديو، أو التلفزيون أو المواقع الرسمية للأنظمة، كلّ من في المنزل ينتقل إلى محطة أخرى، ومن يريد أن يعرف ما الذي يحدث حقيقة في الداخل يبحث عن محطات إخبارية، ليست بخاضعة لسلطة هذا النظام، وما أكثر العداوات بين الأنظمة العربية، وما أكثر تضارب المعلومات الإخبارية على المحطات العربية، ليستمع إلى أخبار بلده.

ومن ثم يلام من يريد أن يتتبع مجريات الأحداث في بلده على اختياره إذاعة بلد آخر لمعرفة ما يجري في بلده. والمدهش في كل النشرات الإخبارية الرسمية للدول العربية أنها تعتمد على كثرة الألفاظ التفخيمية الوصفية ما يجعل من نشراتها الإخبارية وكأنها مبارزة أدبية في اختيار هذه الالفاظ. وإذا ما أُلغيت كل هذه الألفاظ تصبح المدة الزمنية للنشرة الإخبارية الرسمية ما لا يزيد عن خمس دقائق وتنتهي الأخبار المحلية.

لقد أصبحنا نعيش في عالم مغاير عن عالم زمن الراديو، فهل يمكن أن نحدِّث نشرات الأخبار الرسمية؟ وإن كنا لا نريد تحديث نشراتنا الإخبارية الرسمية فما من حاجة لوجود فرع الإعلام في الجامعات العربية!

العدد 1105 - 01/5/2024