التمرد الإيجابي للشباب.. وكيفية توظيفه والاستفادة منه

محمد علي شعبان:

صديقي القومي، والطائفي، والمذهبي، يامن تظهر غضبك واعتراضك على طائفتك، أو قوميتك، وأعتقد أنك على حق.

لكن عليك أن تجيبنا على تساؤلاتنا. إن كنت ترى العيوب في قوميتك، أو طائفتك فهذا جميل، لكن ماذا يجب عليك أن تفعل؟!

هل تغادر قوميتك أو طائفتك، وتذهب للانتماء إلى طائفة أو قومية أخرى، وتصبح كالذي انتقل من تحت (الدلف) إلى تحت المزراب؟

إن كنت ترغب في ذلك، فستجد هناك في الطائفة أو المذهب الآخر الأمراض نفسها التي تمردت عليها في طائفتك أو قوميتك، لكن بأشكال ومظاهر أخرى. ولكل انتماء ضيق أمراض خاصة به.

وستجد صعوبات، لم تكن تحسبها قبل انتقالك.

بالتأكيد قد يرحب بك لفترة قد تطول وقد تقصر.

لكن في النهاية ستبقى الغريب الذي دخل البيت مستجيراً، وليس بمقدوره إجراء اي تحسينات على البيوت التي بناها عقل المتعصبين لقوميتهم، أو لدينهم، أو لطائفتهم، أو غير ذلك.. لأن وحدهم المتعصبون يسارعون لبناء الأماكن التي يتساقفون فيها لخدمة انتماءاتهم، سواء كانت دينية أو طائفية أو قومية.

وأن جميع تلك البيوت لها حرمات وهناك من يعمل على تشييدها ويطيب له العيش في كنفها، مستثمراً فيها يعيش على وجودها، ويمنع الآخرين من التدخل بها، ما يعتقد بقدسيتها، وبضرورة وجودها.

كل انتماء اختارته البشرية فيه إيجابيات، وفيه سلبيات. والأمر يتعلق بتوظيف هذا الانتماء أو ذاك.

فالخلية البدائية الأولى، التي ينتمي إليها الإنسان، هي حالة ضرورية، إذا حققت له عامل الأمان، أو أية حاجة اخرى.

لكنها تصبح ضارة إذا توقف الإنسان عندها ولم يتجاوزها لخلية أكثر اتساعا. وكلما ازداد الاتساع ازدادت مساحة الأمان.

وهذا ينطبق على كل الانتماءات، بدءاً من الأسرة، وانتهاءً بالإنسانية مروراً بكل الانتماءات الأخرى.

لذلك أستطيع القول: إن كل انتماء من الانتماءات التي مرت معنا، في سياق الاستعراض الذي ذكرته، له وجه إيجابي بالتأكيد في زمان ومكان محددين، وله وجه سلبي في مكان آخر وزمان غيره. لذلك تسقط القدسية والقطعية الإيجابية، أو السلبية عن المفاهيم، التي نستخدمها في سياق حديثنا، خارج الزمان والمكان المحدد.

ومن دون الدخول بتفاصيل المفاهيم وتحديد متى تكون سلبية ومتى تكون إيجابية، أستطيع القول: كلما اتسع الإطار الأفقي للمفهوم وازداد عدد المنضوين فيه وعدد العاملين من أجله، بقناعة دون إكراه، ازدادت الإيجابية له، وابتعد أو تخلص من بعض سلبياته.

بالتأكيد مفهوم العائلة أهم وأشمل من مفهوم الأسرة. ومفهوم القومية أهم وأشمل من مفهوم الطائفة، وهكذا وصولاً لمفهوم الإنسانية الأشمل، التي تندمج فيه جميع الشرائح الاجتماعية طوعاً، وتتحقق فيه المساواة بالحقوق والواجبات، وتطبق فيه العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وتغيب فيه الأنانية، وحب الذات، وتسود المصلحة العامةعلى حساب المصالح الخاصة، والفئوية الضيقة.

لذلك أنصح جميع الأصدقاء والرفاق حيث يكونون، أن يعملوا في أماكنهم على توسيع الإطارات التي ينتمون إليها، وكسر حلقاتها الخارجية لتتسع لأكبر عدد ممكن من البشر، حاملين معهم تناقضاتهم، التي تشكل مادة هامة للتفاعل بغية الانتقال من دائرة التعصب، القومي أو العرقي أو الطائفي، إلى دوائر أوسع يندمج فيها البشر، وتعيش بعضها مع البعض الآخر دون تمييز، كما يحصل الآن في بعض المجتمعات الأوربية، التي سبقتنا، وكسرت العديد من الإطارات الضيقة، وفصلت الدين عن الدولة، وأعطت للجميع فرص العيش بسلام، ومنعت رجال الدين من التدخل بالسياسة، وتركت لهم حق العبادة كما يشاؤون  وتتطور المجتمعات في الانفتاح على بعضها البعض.وتتلاقح الأفكار وتتهذب النفوس، ويغيب التعصب، والتطرف.

ويبحثون معاً عن القواسم المشتركة، ويفكرون معاً بصوت عالي عن أفضل السبل للوصول إلى أوسع اندماج، وتماهٍ إنساني.

وهكذا يجب أن نكون، لنرتقي أسوة بالشعوب التي سبقتنا.

ونجعل من حالة التمرد على الأطر الضيقة التي ننتمي إليها.

حالات بناء، لا أطر جديدة، أكثر اتساعاً وأقل تعصّباً.

وليعلم الجميع أن الدول العلمانية التي يتحقق فيها فصل الدين عن الدولة، وتعتمد قانون الزواج المدني في المحاكم الشرعية، تشكّل البيئة المناسبة، والمناخ الملائم، لتربة خصبة تتحد فيها الأعراق وتنصهر الطوائف والمذاهب، والأديان.

ويغيب فيها التعصب، والعنف، والتطرف، وتحقق الأمن والأمان للجميع.وهذا لن يتحقق بالدعاء، والتمنيات، بقدر ما يتحقق بالعمل الجاد من أجل هذا الهدف النبيل.

فتتحول نقمة المحتجين إلى نعمة للبشرية جمعاء، إذا فعلوا من أجل تحقيقها.

 

العدد 1105 - 01/5/2024