الفساد الإداري يبدأ بحصر المعاملات مركزياً ومنع التفويض

السويداء_ معين حمد العماطوري:

كثيراً ما نبّهني الأصدقاء وأصحاب الشأن والمقربين، بعد ما أُثير مؤخراً عن تعديل قانون الجرائم الإلكترونية، أن الكلام في الصحف حول نقد أداء الحكومي صار من المنسيات، لأنهم مؤمنون بالمثل الشعبي القائل: (خوذ صفاح مثل اللواح)، إلى درجة أن أحدهم قال بصريح العبارة: (يا أخي، أحسن رجل حقّو رصاصة! لماذا الجعجعة الإعلامية التي ليس منها طحين؟!)، فكان القرار بناء على مناشدة الأسرة التوقف عن الكتابة في نقد أداء الحكومة ومؤسساتها التي تفوح منها رائحة الفساد ليصل دخانها الى السماء، والحجّة: دع ما لقيصر لقيصر.. ولا تكن ملكياً أكثر من الملكيين!

ولكن، بعد أن كثرت الشكاوى واستنجد معظم القاصدين بجريدة (النور) كواحدة من الوسائل الإعلامية المتابعة والمتنفس الوحيد لهم.. وعلى حد قولهم: (لا نستطيع الكلام في وجه أي مسؤول، ولا نقده وجهاً لوجه، ومقارعته بالحجج الدامغة، لان رأيه هو الصائب والسديد، ولا نستطيع المواجهة مع أحد، لأن العامة من الناس ينظرون بعين الشيطان وقلمه الذهبي جاهز لإيصال الأخبار الملفقة والمبهّرة والكاذبة للجهات، والتهمة جاهزة: إضعاف الشعور الوطني والقومي! ونصبح نناشد المتنبي حينما قال:

نقلوا عني ما لم أفُه به وآفة الأخبار رواتها

والأهم الخوف من أن نحسب على المجرمين وفق قانون الجرائم الإلكترونية، ولكن على حد زعمهم الإعلام له حصانة!

ولأن مهمتنا تأريخ اللحظة وإلقاء الضوء على مكامن الفساد الممنهج والمركّز بشكل عام في القطاع العام، نشعر أن الواجب الإعلامي والمهني يتطلب التدخل.

ومنعاً من التشنج والاستسهال في الأمر فإن القصة وما فيها يا أصحاب القرار الآمرين والمأمورين تتلخص بالآتي:

ما معنى أن تنغمس الدوائر والمؤسسات والهيئات العلمية والبحثية والإدارية في البيروقراطية المركزية، وأن تُحصر جميع المعاملات الإدارية والمالية في مديرين مركزيين وموظفيهم، وهذا الإجراء لا يخدم تطوير العمل سواء إن كان خدمياً أم بحثياً أو تنمية إدارية.. وإلا كيف يتم إحداث مؤسسات وهيئات مستقلة إدارياً ومالياً بموجب قانون، ولا يتضمن فتح وحدات حسابية لفروعها بالمحافظات.. بل على العكس صار العبء الإداري أكثر تعقيداً، إذ ما معنى أن أي عامل في المراكز والمحطات أو الدوائر المنتشرة في جميع المحافظات السورية أن تبقى الأمور الإدارية والمالية مركزية محصورة بيد الإدارة حصراً، سواء كان في المجالات الإدارية أو المالية، وقانون إحداث تلك المؤسسات جعلها مستقلة إدارياً ومالياً؟!

وكذلك ما الفائدة من إحداث دوائر للشؤون الإدارية والمالية ومحاسب لكل فرع لها بالمحافظات دون تفويض لمديرها أو محاسبها بالتوقيع على أبسط المعاملات الورقية خدمة للعاملين وتوفيراً للجهد والوقت وتكاليف السفر، اذا افترضنا جدلاً أن المكلف لا يكلف.. ولكن المعاملات التي ليس بها صرف مالي ما الضير في تفويضها لمديرين أو دوائر المحافظات بدلاً من تحميل الخزينة العمل الروتيني، لأن أي موظف في أي مركز من المراكز إن كان في الحسكة أو في السويداء واحتاج إلى توقيع بيان بالراتب أو كفالة أو أي معاملة عليه توقيعها وتصديقها من محاسب الإدارة أو المدير المعني بالإدارة المركزية بدمشق.. أليس ذلك التعقيد نوعاً من أنواع الفساد الاداري الممنهج باسم القانون؟!

يقيناً إن القانون لا يمكن ان يتبدل ولا يتعدل لأنه جاء على مقاس بعض الشخصيات وخدمة لمصالحهم، بدلاً من أن يكون خدمة للجميع، ويتحول إلى أمر أكثر تعقيداً كعامل دائم منذ ثلاثة عقود ونيف يطالبونه بإثبات استمراره بعمله في حال احتاج إلى أي توقيع ويطلبون منه أن يرجع من دمشق إلى محافظته لإحضار ما يثبت أنه على رأس عمله، والأسوأ أن الجميع يعرفونه مركزياً.. وهذا دليل واضح أن الشؤون الإدارية تصر بمركزيتها وتدخل دائرة الإهمال، لأنها المعنية أولاً وأخيراً عن حركة العاملين، فكيف تطالب بإثبات استمراره بالعمل وهي المعنية بربط شؤون العاملين بها مركزياً؟!

والمفروض أن تكون جميع ثبوتيات العامل وإضبارته الذاتية، وخاصة إن كان مثبّتاً، موجودة لدى دائرة الشؤون الإدارية.. وإلا ما معنى حصر التوقيع مركزياً.

أليس ذلك نوعاً من أنواع التعقيدات الإدارية التي هي الجزء الهام والأهم بالفساد الإداري والإفساد العملي في تقويم الأداء.. رغم أن بعض الجهات الحكومية تسعى لتبسيط الإجراءات الإدارية والعمل على تحديد النافذة الواحدة.

أين هي تلك الإجراءات يا أصحاب القرار التي بات عمر شعارها أكثر من عشرين عاماً؟! تبسيط الإجراءات الإدارية منعاً للفساد الإداري! ألم تدرج تلك المشاكل والمعوقات ضمن آراء وأفكار مشروع الإصلاح الاداري أم أننا ما زلنا على الوعد يا كمون؟!

ودمتم مستمتعين بشعارات الإصلاح الإداري يا تنميتنا الإدارية!

العدد 1104 - 24/4/2024