اعتماد أمريكا على الكرد يجعلهم في خطر ليس بمقدورها إنقاذهم منه

محمد علي شعبان:

يتسابق بعض الأصدقاء والرفاق الكرد، لاعتماد البراغماتية نهجاً، في علاقتهم مع محيطهم، وجوارهم، ولا يخلو الأمر من اعتمادها أيضاً في العلاقات فيما بينهم، وضمن التحالفات التي ينضمّون اليها.

مؤسف أن يمارس الرفاق والأصدقاء الكرد البراغماتية العالية، في علاقتهم مع محيطهم العربي، وخاصة مع السوريين، بشكل عام.

ومؤسف أن يمارسوا البراغماتية مع رفاق الأمس الشيوعيين بشكل خاص، الذين اختبروهم لفترات طويلة، وخاصة داخل المعتقلات، فقد كان عددٌ منهم يدافع عن الحقوق الوطنية للشعب الكردي، أكثر من الأكراد أنفسهم.

إن التراجع الذي حصل باتجاه النزوع القومي هو خطوة إلى الوراء وليس إلى الامام. ولا يمكن النظر إليه باعتباره لخدمة قضية الشعب الكردي سواء في سورية أو في غيرها.

إن النزوع القومي الكردي، وما يرافقه من تأييد من بعض القوميات الأخرى، ليس من مصلحة السوريين على اختلاف انتماءاتهم القومية، أو الدينية، او غير ذلك من قبلية وعشائرية.

مصلحة السوريين الحقيقية هي في الاندماج الوطني، الذي تتماهى فيه الأعراق، والقوميات، والطوائف والمذاهب، وتصبح سورية وطناً لجميع أبنائها أيّاً كان انتماؤهم.

ليس خافياً على المتابعين لما جرى في السابق، وما يجري الآن، أن هنالك جهات خارجية تريد إضعاف الوطن السوري، ولها قاعدة بيانات، قديمة – حديثة في الداخل السوري. وهي تعمل ليس فقط من أجل إضعاف سورية، بل من أجل إضعاف معظم الأوطان العربية، بغية تحقيق مصالحها، الآنية والمستقبلية، التي تهدف في المقام الأول، إلى تثبيت دولة الكيان الصهيوني في المكان الذي قرر بلفور ومن حوله من الصهاينة وجودها، لتتمكن من القيام بالدور الوظيفي المنوط بها.

من يعتقد أن دول الغرب الرأسمالي، وبشكل خاص الدول الاستعمارية، تترك شعوب المنطقة أن تعيش كما تريد.. هو واهم!

معظمكم يعرف أن سورية الطبيعية هي مهد الحضارات.

واول أبجدية، لكن عيون الغرب الرأسمالي كانت وما تزال تتطلع إلى احتلالها بطرق وأساليب مختلفة، تجعل منها خط دفاع بوجه القوى الآسيوية، وفي مقدمتها روسيا الاتحادية.

ولم يكن احتلال افغانستان، والعراق، ومحاولة احتلال سورية إلا حلقة من سلسلة أهداف تضعها قوى العدوان العالمي بغية السيطرة على المنطقة، والتحكم بثرواتها، وجعلها منطقة صراع دائم، تديرها من خلال دولة الكيان الصهيوني التي زرعتها في قلب المنطقة العربية.

وهي الآن تحاول بكل إمكاناتها من أجل صناعة كيان كردي شبيه بدولة الاحتلال الصهيوني، توكل إليه مجموعة من المهام، في سورية والعراق، وإيران وتركيا، يقوم بها خدمة لمصالح الدول الرأسمالية، التي تقدم له الدعم والمساندة، بالتأكيد ليس حباً به وليس دفاعاً عن حقوق الشعب الكردي.

أعتقد أن الشعب الفلسطيني يعيش في حالة ظلم وقهر وتشرد منذ أكثر من سبعين عاماً.

والدول الاستعمارية تقدم الدعم لدولة الاحتلال التي تضرب عرض الحائط بالقرارات الدولية وشرعة حقوق الإنسان.

وما يجب أن يعرفه أصدقاؤنا ورفاقنا الأكراد، هو أن مصلحة الشعب الكردي ليست في قيام كيان كردي أبداً.

وهذا المطلب هو خطوة إلى الوراء، تأخذ المنطقة والشعب الكردي بشكل خاص إلى صراعات مع أبناء الوطن قاطبة، ومع العشائر العربية الموجودة في الجزيرة السورية، والتي تتعايش مع جميع القوميات الموجودة هناك، من آشوريين، وكرد، وأرمن، وسريان، وكلدان، وتركمان، منذ آلاف السنين، أكثر من تعايش الكرد فيما بينهم.

وكلنا يعرف أنه رغم وجود العديد من الأحزاب في المجتمع الكردي، مازال للزعامات العائلية دور هام في تقرير مصير هذه الأحزاب، أو الشخصيات النخبوية داخل صفوف المجتمع الكري.

وأن أهلنا الأكراد والسريان، والأرمن وغير ذلك من القوميات الأخرى موزعين على كامل الجغرافيا السورية، ولا يرغبون بمغادرة أماكن استقرارهم.

إن القوى التي تعمل على صناعة تناقضات وصراعات في المنطقة بشكل عام، وفي سورية الطبيعية بشكل خاص، لم تكن تريد الخير لشعوب المنطقة أبداً.

من أباد الهنود الحمر واحتل أرضهم، ومن يحتل العديد من بلدان العالم، ويسرق ثرواتها، من يساهم في خنق الشعوب الفقيرة وحصارها وتجويعها، لا يفكر ولن يفكر بالشعب الكردي، إلا لاستخدامه كورقة يعبث بها كيفما يشاء، وحيثما يشاء.

وإن خيار الاندماج القومي وفصل الدين عن الدولة، وتطبيق العدالة الاجتماعية، والمساواة في الحقوق والواجبات، والعمل على قيام نظام ديمقراطي حقيقي، ليس على الطريقة الأمريكية، وتثبيت علمانية الدولة، وحده الكفيل بإنهاء الصراعات ومنع الغبن بين أبناء الوطن الواحد، وقيام دولة مركزية قوية شبيهة بالدول القوية التي تحمي مواطنيها، تعتمد دستور المواطنة المتساوية، تحصن البلاد من الأطماع الخارجية، وتقيم علاقات حسن جوار مع محيطها بغية الوصول إلى قواسم مشتركة بين دول الجوار، وصولاً إلى تبديد التناقضات فيما بينهم والعمل على فكرة بناء وطن أكثر اتساعاً، وأقل تناقضاً بين الدول التي تريد العيش بسلام.

لعل أبطال الحروب والصراعات يتراجعون وتتقدم قوى المحبة والسلام، وتعيش المجتمعات من دون عنف ومن دون حروب.

وتحول الأموال التي كانت تصرف على شراء السلاح إلى رفاهية الإنسان وسعادته.

وأتمنى على رفاقنا وأصدقائنا الكرد محاولة قراءة اللوحة بشكل مختلف عما تريده قوى العدوان الكوني التي تموت تدريجياً، إذا توقفت الحروب، وقررت الشعوب أن تعيش بسلام.

 

العدد 1104 - 24/4/2024