(شبِّب ولا يهمّك.. أبو رضا بلمّك)!

ريم سويقات:

إذا كان المراهق بحاجةٍ إلى إثبات أنّه أصبح بالغاً ومستقلاً أمام أقرانه وأصدقائه، بحكم طبيعة المرحلة التي يمرُّ بها من تغييرات فسيولوجية وعضوية طبيعية، فإن ما ينجم عن ذلك من كسرٍ وخرقٍ للقواعد يكاد يفوق ما تتصوره المخيّلة عند بعض الشبان في ريف طرطوس، فما إن يكون الشاب قادراً على قيادة الدراجة النارية حتى يقوم بـ(تشبيب الموتور)، والتشبيب هذا يعني (رفع الدولاب الأمامي عن الأرض لمسافة نصف متر والمشي على الدولاب الخلفي فقط). تلك هي الترجمة الحرفية التي نقلناها عن وصف أحد المشبّبين.

وبالنسبة لمدى انتشارها أجابنا الشّبّيب سمير، البالغ من العمر ١٦ عاماً قائلاً: (شبّ الموتور يستطيع أن يقوم به أي هاوٍ له ومتمكن من القيادة، أغلب الشبان من عمري أو أصغر بعامين ومنهم من هو أكبر أيضاً، إنها ممتعة.. ممتعة)!

ولمعرفة ما تتركه هذه الظاهرة عند الشبان المراهقين سألنا أحد هؤلاء المشبّبين في منطقة الشيخ بدر، أجاب قائلاً: (أذكر أنني جرّبت تشبيب الموتور أوّل مرة عندما كنت في الصف التاسع، وكنت خائفاً مما قد يسببه لي من أضرار، ولكن مع تكرار الممارسة وتشجيع الأصدقاء اصبحت أكثر ثقة).

بينما آخر كان أكثر حماسة وفخراً وذكاء في التسويق لنفسه، وقال: (إنه أمر ممتع خاصة عندما أشبّ الموتور على مسافة طويلة واعتماداً على الغيار ٣ أي (٨٠ – ٩٠ كم / سا ) وأنا معروف في المنطقة، لأني الأسرع بينهم والأكثر قدرة على الاستمرار في رفع الدولاب الأمامي لمسافة طويلة).

إنّ انتشار تلك العملية بين المراهقين الذكور بلغَ تأثيره لدرجة جعلتهم يصورون مقاطع فيديو لتشبيب الموتور بأجهزتهم الخلوية ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد إضفاء التأثيرات البصرية بالتعتيم قبل البدء برفع الدولاب الأمامي وإضاءة عند البدء بتلك العملية مع تصوير بطيء لتظهر الحرفية في (نتع الدراجة وشدّها للخلف) حسب تفسير أولئك الشبان، وأيضاً إضفاء بعض الموسيقا الشعبية كإدخال الأغنية المشتركة لدى الأغلبية: (راجع من بعد غياب تبكي فراقك يا عمري.. بإيدك حبات تراب ترميهن زينة ع قبري.. ) وكأن الشّبيب هنا يريد أن يترك لك تذكاراً جميلاً ألا وهو تشبيب الموتور في حال وافته المنية، منية الحب لاستعطاف محبوبتهِ.

 

وفي الحديث عن المخاطر التي تخلفها عملية التشبيب تلك تحدثت لنا أم علي والدة أحد  المشبّبين بأسى قائلة: (أخدت ابني ٣ مرات للمستشفى قحط بالكف وبالركبة وانشقّت ذقنه ، لأنه كان آخد الأرض كبخ، سباحة، والحمد لله ما مات متل غيرو. وهاد غير سمعتنا بين الجيران عن سوء التربية والشكاوى اللي ما بتخلص، ومع هيك عيار الوعي عندو يومين تلاتة، إن كتّرت أسبوع وبيرجع بشبّب).

أما المخاطر عند  المشبّبين أنفسهم فكانت من نوع آخر، وهي التكاليف المادية التي سيدفعونها بعد عدة مرات من عملية التشبيب تلك التي تقتضي شراء دواليب جديدة وصل سعرها اليوم إلى (٧٠ ألف – ٨٠ ألف ل. س ) للدولاب الواحد، بينما بلغ شراء فرام واحد (٢٠ ألف ل. س) وهنا تحدث الشبان بأسف عن غلاء الأسعار، فقبل الأزمة السورية كانوا يستطيعون تخميس الدراجة النارية أيضاً، فمهما محّ الدولاب قادرون على استبداله ب ( ٢٠٠٠ ل. س) فقط أما الآن فهم لا يستطيعون ذلك، اكتفوا بتشبيب الموتور لأن عملية التخميس تكلف أكثر وهي (فن آخر) على زعم قولهم اشتق من دوران الدراجة النارية على شكل رقم ٥ بالعربية حسب تعريف أحدهم.

ولتفسير استمرار ذلك كل عام بين المراهقين من الشبان الذكور تبيّن أنها عادة انتشرت بينهم منذ سنوات عدّة، وغير معروف من هو مبتكرها، وهي تناقلت لما تمنحه من شعور بالثقة وتقدير الذات، وكما سبق أن ذكرنا في البداية أن الأسرع بين المشبّبين هؤلاء يكون معروفاً، ويوصف عندها بكلمات مثل (وحش، قبضاي، نمر.. ) وهذا يشجعهم على الاستمرار كي يحظى كل منهم بالمكانة والقبول الاجتماعي الأكثر حفاوة بين الأصدقاء، كما بلغت الثقة بهم لأن نقرأ على إحدى اللافتات التي تُثبَّت تحت ضوء التابلو (شبّب ولا يهمّك أبو رضا بلمّك) فهم يفعلون ذلك مهما بلغت المخاطر بهم ما داموا يحظون بتلك المشاعر، وهذا ما تؤكده الأبحاث العلمية (فهناك نظامان مهمان في مخ المراهق لا ينضجان في الوقت ذاته: نظام ينضج عند سن البلوغ: وهو النظام المسؤول عن السعي وراء المكافآت والفوائد الواضحة (مثل الحصول على شعبية بين الأصدقاء) والإثارة (مثل كسر وخرق القواعد. ونظام ينضج في منتصف سن العشرينات: وهو النظام المسؤول عن ضبط النفس).

أيها السادة، إذا كان المراهق غير واعٍ لمخاطر تلك العملية ولم يقتنع بنصح الأهل وعقابهم، نرجو منكم لحمايته إجراء رقابة صارمة وسن عقوبات تردع المراهقين الآخرين من تقليد من سبقهم.

دام عزّكم ما رأيكم؟!

العدد 1104 - 24/4/2024