عالم بلا رحمة

د. أحمد ديركي:

يحكى الكثير عن مدى وحشية الحيوان، وحالياً مع التقدم التكنولوجي أصبح بإامكان أي فرد، إلى حد ما، من أفراد الجنس البشري، أن يشاهد خطوة بخطوة مطاردة حيوان لحيوان آخر وافتراسه سواء كان المفترس كبيراً أو صغيراً. فمثلاً يمكن تتبّع لبوة تطارد غزالاً لافتراسه، أو عنكبوت نصب شباكه لافتراس حشرة وقعت في فخ شباكه، أو حتى نبات يفترس حشرة ما. يصنّف المفترس، في الحيوانات الكبيرة الحجم نسبياً، على أنه مفترس آكل اللحوم، والضحية غالباً ما تكون نباتية التغذية. قد تكون هذه قاعدة شبه ثابتة في عالم الحيوان. فمثلاً الفهد يفترس الحمار الوحشي، الفهد حيوان آكل اللحوم والحمار الوحشي حيوان نباتي اللتغذية. وإن اشترك الفهد والحمار الوحشي في الأصل البيولوجي بكونهما ينتميان إلى الجنس نفسه، أي كلاهما حيوانات لبونة، أو ثديية، إلا أنه يستحيل على الحمار الوحشي افتراس الفهد بسبب نوعية التغذية.

بينما في عالم الحيوانات الصغيرة، أي في عالم الحشرات، المعادلة تقريباً شبة متساوية. فالعنكبوت يفترس حشرة أخرى، وهو في الأصل مصنف ضمن عالم الحشرات، كما تفترسه حشرة أخرى، سواء كانت هذه الحشرة نباتية التغذية أو لحمية التغذية. ما يعني أن غذاء العنكبوت قائم على الفريسة التي تقع في شباكه، بغض النظر عن نوعية تغذيتها، طبعاً إلا إذا أفلتت من شباكه.

من يشاهد عالم الحيوان (يُصعق) من كم العنف المرتكب بحق الفريسة (الضحية)، فالمفترس لا يرحم فريسته ويأكلها حية ويمزقها إرباً إرباً بطريقة وحشية دموية، بغض النظر ما إن كانت الفريسة (الضحية) أمّاً، أو حاملاً، أو مرضعة، أو مسنة، أو مريضة أو… فكل هذه الأعذار لا تمنحها عذر عدم الافتراس ولا تمنحها حق الحياة، بل العكس صحيح. فهذه الفريسة فريسة مغرية للمفترس، لأنها لا تكلف مفترسها الكثير من الجهد والعناء في مطاردتها. عالم عنيف لا رحمة فيه. الجميع في هذا العالم، عالم الحيوان، خاضع لهذه القواعد المعمول بها فيها ولا أحد فوق هذه القوانين. لا مفاوضات، لا سمسرات، لا بيع ولا شراء، لا استبدال فريسة بفريسة، لا أعذار وألف لا ولا.

أما في عالم الإنسان، المشاهد لعنف عالم الحيوان، فلا توجد لاءات عالم الحيوان. وبسبب هذه اللاءات يصنف الإنسان نفسه على أنه عالم رحيم. ففي عالم الإنسان هناك مفاوضات، وما أكثر تداول هذه الكلمة حالياً في ظل الحروب البشرية القائمة على الكرة الأرضية! وما أكثر البيع والشراء! فكل ما هو موجود على سطح هذا الكوكب، وقد يكون قريباً كل ما موجود على سطح القمر، سلعة تخضع لقوانين السوق، ما دام هناك من يملك ثمن شرائها. فالإنسان (مغرم) بالاتجار ببني جنسه، منذ بداية نمط الإنتاج الرأسمالي، ومن كثرة غرامه هذا مارس البعض ومازال يمارس الاتجار بالأعضاء البشرية! كما يمكن مقايضة ببلد ببلد أو أرض بأرض أو جزيرة بجزيرة.. وكل هذه الأفعال مقرونه بألف عذر وعذر وبسرعة تحول (لا) إلى (نعم) و(نعم) إلى (لا).

كل هذه الفروقات تميز (الإنسان) المشاهد لعالم الحيوان على أنه عالم رحيم، بينما عالم الحيوان عالم لا رحمة فيه. والحيوان لم يميز عالم الإنسان على أنه عالم لا رحمة فيه لما يرتكبه الإنسان من عنف دموي تجاه بني جنسه وتجاه الحيوان! ترى من أكثر رحمة: الإنسان أم الحيوان؟!

العدد 1104 - 24/4/2024