رؤيا من موقع مختلف

محمد علي شعبان:

أحب الحياة وأعتقد ان الموت أصبح ضرورة، ليس حباً به،

بل حباً بالحياة.

لكن العجز الذي نعيشه عن فعل ما يجب فعله يزيدني قناعة أن الموت يقترب، وأن تأخيره مكلف.

ويزيد من شعوري بالعجز أكثر.

ويزيد من العذاب الروحي والنفسي والمعنوي أكثر.

واقترابه يخفف الفاتورة التي تدفع لمريض ميئوس من شفائه.

لقد عرفت أشياء كثيرة في حياتي. علّمني الفقر بعضاً منها، وعلمتني الغربة البعض الآخر. وصقل العمل شخصيتي. وكتبت سطور حياتي بسلوك، كان مزيجاص من الإصرار والتردد. والتنظيم والفوضى، والقلق والحيرة.. نجحت هنا، وفشلت هناك. وكان لعدد كبير من الأصدقاء، الكبار منهم والصغار، دور هامّ في تعزيز بعض النجاحات، والتخفيف من آثار حالات الفشل التي كان بعضها حافزاً لتكرار التجربة والنجاح.

كان لبعض الأصدقاء بصمة خاصة، في بلسمة بعض الجراحات، التي كنت أعتقد أنها مستحيلة الشفاء، إلا أنني اكتشفت مؤخراً أن بعض الأشياء التي لا يمكن لمسها في الذات الإنسانية قد تكون أقوى من الجسد الذي نعتبر وجوده حقيقياً وقوة لا يمكن نكرانها.

إن تك الأشياء هي مجموعة من الطاقات التي تساعد الجسد على إيقاف نزف جروحه، وترمم الندبات التي بقيت، وتصلح الدارات المعطلة دون وسيط مادي.

وعندما يفقد الجسد تلك الطاقات وخزانات التعبية من الأصدقاء،

يشعر بضرورة اقتراب الموت.

أو أن يتحول لا إحدى تلك الخزانات، التي أصبحت هدفاً لجميع السلطات في هذا الكون، وخاصة (الدينية، والسياسية) اللتين تمسكان بمفاتيح باقي السلطات وتتحكمان بعملهما.. فهما تعملان على تفجير جميع خزانات الطاقة الروحية والنفسية، بأساليب شتى، بغية بقائهما في موقعهما، يعيقان التجديد، ويمنعان التغيير.

ولا يمكن تغيير هذا الحال بسهولة، لكنه ليس مستحيلاً.

منذ وجدنا على هذا الكوكب لم نعرف سوى الهزيمة.

منذ ملايين السنين والإنسان مهدد بهزائم متعددة الأشكال والمصادر.

يعرف ذلك وهو عاجز، لا يستطيع فعل شيء.. أو قد يستطيع لكنه يشعر بالعجز وعدم الجدوى كما نشعر الآن.

لقد أصبح الإنسان على هذه الأرض، ابناً شرعياً للهزيمة. والحياة تتبناه موضوعياً حتى الموت.. الذي يغتصب الشرعية، وينتصر على الحياة.

لذلك سنقف مع المنتصر والمغتصب حتى لو فقدنا الحياة.

رغم أن بعضاً منا يؤمن بانتصار الحياة حتى بعد الموت بأشكال مختلفة ومتناقضة.

فهل سيكون الموت انتصاراً، أو نهاية لعهد الهزائم؟ أو لبداية جديدة؟

ولماذا يقولون عنه: الحق المكروه.

ربما تفاعلكم يساعد في الإجابة عن بعض التساؤلات، التي سنخرج من خلالها من عالم الشكوى اليومي ومعالجة الأزمات المعيشية، إلى فضاء زمانه أطول من اليوم الواحد. من أفق محدد إلى أفق مفتوح.

وبناءً على ماتقدم، لماذا لا نعمل من أجل الموت، كما نعمل من أجل الحياة، رغم أننا أموات تارة، وشبه أموت تارة أخرى؟؟

وقد نكون عالة على الحياة مالم نعمل من أجل الموت.

لكن كيف؟؟

عندما نقول: إن فلاناً مات، يعني أنه لم يترك أثراً، إيجابياً كان أو سلبياً.

فهل نقبل الموت هكذا؟

وهل الحياة بجمالها لا تستحق فعل شيء من أجلها؟

وهل نقبل باغتصاب القيم الإنسانية الجميلة، كما اغتصب ماضينا ويغتصب حاضرنا؟

ربما طلب الحياة في الموت يصبح أكثر شرعية من أن نعيش التموت في الحياة.

وللموت جمال خاص وإغراءات خاصة، في زمن أصبحت الحياة فيه عقوبة فعلية من إله جائر يمتلك غرفة عمليات خاصة لتوزيع الظلم والجور.

ويبيح قتل العقل مالم يخضع لقانون الإله الجائر..

أنا على ثقة بعدم قدرة الإله الجائر على الانتصار. لكنه لن ينهزم أيضاً. لأن وجوده مرهون بوعينا وإدراكنا، وما ينعكس عنهما، من إرادة وعزيمة بمحاربة الجور والحد من سطوة الجائر، الذي يضطر مجبراً على تغيير ذاته خوفاً من الموت، الذي يشكل الحياة. ويعطيها جرعات جديدة، تتجاوز الموت وتبحث عن حياة جديدة بعد الموت.

العدد 1104 - 24/4/2024