لا تندهي!!! ما في حدا

إيناس ونوس:

الذَّهاب إلى أيّ مكانٍ تريد بات يحتاج منك جهداً نفسياً وجسدياً لم تكن تُفكِّر به سابقاً، وذلك بسبب أزمة المواصلات والتَّنقُّل بين مكانٍ وآخر، فمن النَّاحية النَّفسية عليك أن تمتلك الاستعداد لقضاء رحلتك سيراً على الأقدام، إمَّا في عملية البحث عن وسيلةٍ تنقلك، أو للوصول إلى المكان المُبتغى سيراً، لانعدام الحيلة وعدم قدرتك على إيجاد تلك الوسيلة، وهذا ما يتطلَّب منك أن تكون ذا بنيةٍ جسديةٍ قويةٍ حتى تتمكَّن من القيام بمسيرٍ طويل، أمَّا إن كان (أبو زيد خالك) واستطعت تأمين واسطة نقلٍ فيجب عليك أن تمتلك القدرة المادِّية أيضاً، فقد باتت أجور النَّقل باهظةً، تخضع لمزاجية السَّائق الذي يتعامل معك وكأنَّه منقذك من الموت وما عليك إلَّا القبول والطَّاعة، وإلَّا فغيرك من الآلاف المؤلَّفة التي تنتظر على الدَّور وتدعو لجميع الآلهة بأن ترفض أنت ليحلَّ أحدهم مكانك، فينظر إلى غيره نظرة تعالٍ لأنَّه حصل على مقعد، وسيصل أسرع من غيره!

هذا في مدينةٍ واحدة، فما بالك بفكرة السَّفر من محافظةٍ إلى أخرى!؟

هنا عليك أن تتَّفق مع محيطك على جمعيةٍ شهرية، تطالب بأن يكون دورك فيها في الوقت الذي تريد به السَّفر، وإلَّا فلتبقَ في بيتك (معزَّزاً مكرّماً)، لأنَّك وبحسبةٍ بسيطة إن أردت أن تسافر لقضاء بضعة أيامٍ، وكانت عائلتك مؤلَّفةً من أربعة أشخاصٍ فقط، عليك أن تدفع أقلَّ ما يمكن عشرين ألف ليرةٍ ذهاباً ومثلها إياباً، من دون أن تحسب تكاليف الوصول إلى الكراج في كلتا الرِّحلتين، وطبعاً هذا أقلُّ مبلغ، لأنَّ العملية الحسابية تتناسب طرداً مع بعد المكان الذي تريد الذَّهاب إليه!

كلُّ هذا، بحسب التَّبريرات التي يجبرك السَّائقون على الإذعان لها، لانعدام توفُّر مادتي البنزين والمازوت، اللتين تجدهما معروضتين للبيع بأسعارٍ مرعبةٍ في أماكن أخرى، إذ يقوم بعض السَّائقين ببيعهما في السُّوق السَّوداء، وهكذا يتذرَّعون بخلوِّ مركباتهم منهما وبالتَّالي إمَّا يرفعون أجور التَّنقُّل أو يمتنعون عن القيام بعملهم.

أين الحكومة من كلِّ ذلك؟؟

الحكومة تغطُّ في نومٍ عميقٍ، تنعم بالدِّفء والأمان، ولسان حالها يقول لا علم لي بما يحدث، فإن علمت يكون عقابها من نصيب من يلاحقه الحظُّ العاثر، السَّائق المعتَّر الذي فكَّر أن يقوم بما يفعله زملاؤه لكنَّه يتحول فجأةً لكبش فداء لكلِّ أولئك، فيصبح الممثل ذا الدَّور الأول في عملية محاربة الفساد، في حين يرتع غيره هنا وهناك ولا أحد يسأله كيف لك هذا أو من أين؟!

لم يعد الأمر مقبولاً ولا بأيِّ شكل، فهو مرتبطٌ بضياع الوقت، وتبديد الجهد وانعدام القدرة على القيام بالمهام العديدة الموكلة للإنسان سواء في عمله أو بيته أو دراسته. وللأسف الشَّديد بات علينا أن نقتنع بما تنبَّأت به فيروز في أغنيتها حين قالت: (لا تندهي.. ما في حدا)!

العدد 1104 - 24/4/2024