قصص وحكايا البنزين

ريم داود:

(الله يخلّيك يا عمّ، بدّي تاخدني عالبلد خلّص هالكم شغلة قبل ما سافر وبنزيناتك عحسابي…

لَهْ يا عمّي، بعيوني بخدمك وما بدي مصاري، بس المشكلة إنو بطاقتي ما بتفتح لبعد ٤ أيام، البنزينات اللي معي يالله يوصلوني للكازية، أما ازا بدنا نعبي بالحر فبدنا هديك الحسبة لنروح ونرجع..

إي والحلّ عمي، أنا مضطر عالطلعة..

طوّل بالك هلق بشوف مين من رفقاتي مابدّو بطاقتو مناخدها)!

*أزمة تنقلات خانقة:

وما أدراك ما أزمة التنقلات إن لم تحاول صباحاً الوصول إلى مكان ما.

منذ عشر سنوات تقريباً، أي مع بداية الحرب تماماً بدأ العدُّ التصاعدي لأزمة المحروقات قارعاً ناقوس الخطر، متجهاً بنا نحو تراجع وجودها وشبه انقطاع مزمن لتوفرها دون وجود بصيص أمل يقرع أبوابنا، ودون تحرّكٍ واضح لحلّ هذه المعضلة.

كل عام مع بداية العام الدراسي تعيش المدن السورية حالة عشوائية من الفوضى المرورية، وتخبطاً كبيراً من زحمة مواصلات خانقة نتيجة توجه غالبية الميكروباصات لنقل طلاب المدارس بالتزامن مع أوقات الدوام الرسمية للشركات والمؤسسات العامة والجامعات والمعاهد، مُكررين الأمر عينه فترة الظهيرة.

أزمة في النقل والمواصلات تشهدها المدن السورية قاطبةً منذ فترة طويلة نتيجة شحِّ المحروقات.

واللافت في الأمر أن مشهد انتشار المواطنين على الطرقات وأمام المواقف العامة بات يؤلم الجميع، فضلاً عن التدافع والتزاحم الناتج عن الانتظار الطويل للحصول على مكان يضمن عودتهم للمنزل غير آبهين بطفل يُحمَل على الأكتاف، أو حتى عجوز أضناه انتظار الحافلة.

*السفر والتنقل بين المحافظات عبءٌ على المواطنين وحكرٌ على الأغنياء:

وسط نقاش شيّق بين مجموعة من الشبّان كانوا يخطّطون لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في مكان هادئ يحصلون فيه على بعض الراحة، اتجه بهم التفكير نحو الساحل مؤيدين جميعهم ذلك الاقتراح، ولكن ظهر سنفورٌ معارض ونسف جميع مخطّطاتهم: (يا سلام عالسياحة بهيك أوضاع بدنا لنوصل لهنيك قريب التنكتين روحة وقدن رجعة، هي ما حكينا بالحجز والمنامة والتكاليف التانية، يعني بالميتة بدا تكلف الواحد تقريباً ٣٠٠ ألف ليرة وأنا ما معي هيك مبلغ!).

لقد أصبحت تكاليف السفر والتنقّل بين المحافظات ذات أرقام كبيرة ومبالغ ضخمة لم يعد المواطن قادراً على مجاراتها، واللافت في الأمر أنه على مرِّ عشر سنوات لم نجد حلاً مقنعاً لهذه المشكلة على الرغم من توفّر المؤهلات والمقوّمات التي تسمح للمعنيين بالحيلولة دون هذا التضخم وإيجاد حلول لهذه المعضلة.

وممّا لا شكَّ فيه أن هذه الأزمة لم تقتصر على الطرقات والمواصلات، بل أثّرت بشكل مباشر وغير مباشر على العلاقات الاجتماعية بين الناس، فقد أصبح من الصعب والعسير على الأفراد أن يتنقلوا بيسر وأريحية، كما بات استخدام السيارة عبئاً على مالكيها، فضلاً عن الأجور المُبالغ بها من قبل أصحاب التكاسي العامة.

أمّا السؤال الأهم فيبقى بين سطور الحيرة والعجب دون وجود ردٍّ مُقنع أو تحرّكٍ فعّال للحيلولة وإيقاف هذه الأزمة، فهل نشهد مع بداية العام الجديد إقلاعاً للخطوط الحديدية الواصلة بين المحافظات؟ وهل يعود حال المحروقات لسابق عهده دون انتظار الأيام لملء ٢٠ لتراً أو ٧ لترات مُخصّصات سفر إن وجدت؟

هل تعود الحياة كما عهدناها يتنعم فيها المواطنون بخيرات بلادهم دون ممارسة نظم التقنين الجائرة؟

كلها استفسارات تُطرح على أمل أن نجد لها الجواب الشافي.

العدد 1102 - 03/4/2024