لو كان …

إيناس ونوس:

لن أقوم بقتله وحسب، بل لو كان هيكلاً مادِّياً ملموساً لاقتلعته من جذوره وأحرقت الأرض كي لا تُعيد إنبات بذوره مرَّةً أخرى، وأعدت غرس بذارِ بحبوحةٍ تتناسب مع ما يحدث اليوم وما نعيشه جميعنا من هلاكٍ بطيء.

لو كان القرار بيدي، لحوَّلته منديلاً يمسح دموع كلِّ طفلٍ لم يستطع ذووه تلبية احتياجاته.

لجعلته كأس ماءٍ يغسل الغصَّة العالقة في جوف كلِّ أمٍ وأبٍ يحترقان مع كلِّ ثانيةٍ ولا يتمكَّنان من تأمين أبسط مقوِّمات العيش لأسرهم.

لو كان الأمر بيدي لقطعت يده التي تمتدُّ فتغتال مريضاً غير قادرٍ على العلاج، أو راغباً بالتَّعليم عاجزاَ عن دفع تكاليفه، أو شابَّاً مقبلاً على الزَّواج وتأسيس أسرةٍ جميلةٍ مكبَّلاً بآلاف القيود والموانع.

ولأوقفتُ رقصه فرحاً بطوابير المغادرين بحثاً عن عيشٍ يليق بهم وبقدراتهم.

هو الغادر القادر على وأد كلِّ فرحةٍ مهما صغُرت…

هو اللِّصُّ يسرق عمرنا وأيامنا وطاقاتنا بكلِّ وقاحةٍ وعلى مرأى من أولئك الذين يستخدمونه ليلبِّي رغباتهم بالتَّلذُّذ بقهرنا وذلِّنا وموتنا.

هو وحده من استطاع أن يجعلنا نختبر مشاعر لم تكن تخطر لنا على بال، ومن أجبرنا على الدُّخول في متاهاتٍ لم نرغب يوماً أن نخوضها.

ما الضَّير في أن نكون مرتاحين منه غير قلقين أو متوجِّسين من لحظة مفاجأته لنا!!!

ما الضَّير ونحن نعيش على بقعةٍ من الأرض تمتلك كلَّ المقدَّرات التي من المفترض أن تعود فوائدها علينا ولنا، أم أن هذه المقدَّرات ليست من حقنا نحن أبناء الحياة، بل حكراً على حفنةٍ من المجرمين؟!

للأسف قد حُكم علينا أن تلازمنا هذه الآفة طوال حياتنا، لطالما تتالى على حكمنا حكوماتٌ لا همَّ لها إلاّ إفقارنا أكثر فأكثر مقابل أن يزيد أفرادها ثرواتهم الخاصَّة تلبيةً لجشعهم، وكأنَّ لسان حالهم يقول على الملأ إنَّهم وحدهم البشر الذين يستحقون الحياة الكريمة في حين أنَّهم ينظرون إلينا عبيداً من واجبنا تقديم فروض الطَّاعة على الدَّوام دون حتى أن نرتعش من الذُّلِّ والهوان، وكي تكتمل الحكاية تتكالب علينا دول العالم أجمع لفرض مشيئتها وحسب، وتسرقنا وتنهب الحياة منَّا لخدمة مصالح شعوبها فقط الذين من حقهم أن يتنعَّموا بخيراتنا ومواردنا ومقدَّراتنا في الوقت الذي يتعاملون مع من هرب للعيش عندهم كأنَّه مشرَّدٌ يحتاج لفتاتٍ سرقوه وهو في الأصل من خيرات بلاده.

أمام كلِّ الصُّور التي نراها والتي نعيشها يومياً، يجب أن يحدث الكثير والكثير، غير أن لا فائدة من هذا العمل ما دام اللُّصوص والمحتكرون ومصاصو الدِّماء يتحكمون بلقمة عيشنا وبتفاصيل حياتنا، فإن أردنا أن نتخلَّص وبشكلٍ كاملٍ من ذاك المرض المزمن ما علينا إلاّ التَّخلص وبشكلٍ نهائيٍّ ممَّن هم المُسبِّب الأوَّل والأخير له، ودون إرادةٍ حرَّةٍ من ضحايا الفقر والتَّشرُّد لن نتمكَّن من تحقيق الهدف المنشود، وبالتَّالي لن نتمكَّن من الوصول إلى رغد العيش.

العدد 1104 - 24/4/2024