صنعت خصيصاً للسوق السورية!

رمضان إبراهيم:

حين تحاول أن تتعرّف على تاريخ صلاحية أيّ سلعة بين يديك، أو سنة الصنع وبلد المنشأ والمحتويات أو المكونات، كثيراً ما تطالعك عبارة (مخصصة للسوق السورية)، وأكاد أجزم أن من يفكر بهذه العبارة سيقتنع أن هذه العبارة صحيحة ودقيقة، وربما تكون أصدق عبارة مكتوبة على منتج أو تجهيزات، ولكن هل فكر أحدنا بحقيقة هذه العبارة الخبيثة!؟ وهل هذا المنتج أو هذه السلعة مماثلة لمثيلاتها في بلد المنشأ!؟ لأن الفارق كبير بكل شيء إلا السعر، فأسعارنا توازي مثيلاتها في كثير من الدول وأحياناً تتفوق عليها. وهنا يخطر في البال الكثير من الاسئلة في مقدمتها: من المسؤول عن استيراد بضاعة كهذه؟!

لقد امتلأت أسواقنا بالكثير من التجهيزات والمنتجات المستوردة الرديئة، واللافت في الموضوع أن معظمها إن لم نقل كلها مستوردة بشكل نظامي ومطابقة للمواصفة السورية.

إن من يذهب اليوم إلى الأسواق لشراء أيّ من التجهيزات الكهربائية لن يجد من يعطيه كفالة لأكثر من شهر، والأمر نفسه لكل المنتجات حتى الغذائية، فمن يتذوق المعلبات المستوردة يدرك من رائحتها وطعمها نوع المادة المستوردة.

إن المسؤولية الحقيقية عن رداءة السلع والمواد المستوردة في الأسواق السورية تقع على طرفين، الطرف الأول هو التاجر الجشع الذي يتحكم من خلال تواصله مع الجهة المصنعة بتخفيف مواصفات الجودة، وهذا يقلل من الكلفة ويرفع من الربح، أما الطرف الآخر فهو في عدة جهات في مقدمتها الجمارك، فهي المسؤولة عن أخذ العينات من السلع وإرسالها إلى المخابر للتحقق منها، وهنا وفي هذه المخابر المعتمدة لمطابقة المواصفات يحدث الكثير من التجاوزات مدفوعة الأجر، على شكل رشا وهدايا وأشياء أخرى، فتكون الكارثة فيما نتناوله من أغذية مستوردة وبضاعة مخالفة تصبح بعد أن  يتم دفع ما يعطيها صفة المطابقة للمواصفات مطابقة.

هناك من يقول إن المنتجات المستوردة شيء مختلف عن العينات التي تذهب إلى المختبرات، فالعينات تكون مطابقة وجيدة، وهذه العملية يلعبها التاجر مع من يقوم بسحب العينات، ولابد من ضبطها أو تغيير الآلية. إن عمل الرقابة على الأسواق ضعيف جداً، إذ لا تقوم دوريات التموين بسحب عينات من معظم المستوردات، بل تكتفي ببعض الغذائيات، فهل التجهيزات الكهربائية الموجودة في الأسواق مطابقة يا ترى!؟ إن ما نراه في أسواقنا من تجهيزات كهربائية وغير كهربائية لا يطابق المواصفة السورية في حقيقة الأمر، وإن كان مطابقاً للمواصفة فالكارثة أكبر، إذ إنه من غير المنطقي ولا المقبول وجود هذه المنتجات الرديئة في أسواقنا وببيانات جمركية نظامية وتحاليل مختبرات مصادقة.

إن من يتابع أولئك الجوالين الذين يجوبون الشوارع لشراء القطع العتيقة والأدوات المعطلة يدرك أن سوء التجهيزات المستوردة، وغياب مواصفات الجودة، وغياب الضمير وانعدام المحاسبة أيضاً، هي أهم أسباب ما وصلنا اليه. سلامتنا وغذاؤنا مهددة من تجار لا يشبعون وموظفون باعوا ضمائرهم لشيطان المال، فهل من صحوة بعد كل هذا الباطل المستفحل؟ وهل من ضمائر مازالت قادرة على الصمود أمام شياطين المال والحرام!؟

إن ما نتمناه من الأجيال القادمة المسؤولة عن أمننا وأماننا الغذائي المستورد الخوف من يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من اتى الله بقلب سليم، فهل من عودة إلى الحق بدلاً من استمرار السير في طريق الباطل!؟

 

العدد 1104 - 24/4/2024