نحتاج إلى المسامحة كي نحيا..

وعد حسون نصر:

ربما أبعدتنا الظروف بعضنا عن البعض الآخر، وجعلتنا نعيش في غربة مع أنفسنا ومع من حولنا، حتى إننا بتنا لا نرغب بالتواصل ونعتذر كثيراً عن الزيارة أو استقبال الضيوف. البعض يردُّ الأمر للظروف الصعبة التي نمر بها من وضع مادي وعدم توفر الكهرباء والماء، والضغط النفسي الناجم عن فقدان هذه الأساسيات، والآخر يقول إن الحياة سرقته من حاله وأبعدته عن أفراحها واجتماعيتها، وبات يميل إلى قلّة التواصل ليريح نفسه من عناء الآخرين. وقد نردها لانشغالنا بوسائل التواصل الاجتماعي وتبادل التهاني والتعازي من خلال منبرها، حتى إننا بتنا نعجب ونحزن ونبكي ونفرح من خلال الرسوم الموجودة في لوحة المفاتيح على شاشة اللاب توب ومواقع التواصل، وتجد من يبتعد عن أقاربه وأصدقائه وجيرانه بسبب خلافات ومشاكل لا يستطيع تجاوزها ولا يرغب بمسامحتهم عنها بسبب خلاف أو اختلاف بالرأي، وهنا بتنا نلاحظ أن المجتمع بات أكثر تفتتاً وأكثر تعصّباً في النفوس، لم نعد نرى النخوة المشهودة عند الآخرين، لم نعد نرى يد العون تمتد في الأماكن العامة للمظلوم، بل إن البعض يرى خلافاً كبيراً وأشخاصاً يعتدون على غيرهم فيغضُّ النظر وكأنه لم يرَ، أو لا يرغب أن نرى، حتى عندما يقصدنا أحدهم لنقدم له مساعدة نعتذر بذريعة أننا لا نمتلك وقتاً أو حتى لا نملك مبالغ إضافية، وأننا لا نريد أن نزجّ أنفسنا في مشاكل لا تعنينا.

وهكذا بتنا نشهد ضمور المحبة وفقدان إنسانيتنا، بتنا نبتعد عن ذواتنا قبل ذوات الآخرين، حتى إن الإخوة من الأب والأم باتوا لا يجتمعون إلا نادراً ويبتعدون عن بعضهم وكأنهم أعداء لا إخوة.

عودوا إلى إنسانيتكم نحن نحتاجها الآن كثيراً، نحتاجها لنصبح شفّافين وأكثر نقاء، لنكسر الجليد عن أرواحنا ونعود بشراً لا وحوشاً في أكبادنا على هيئة بشر. بعد حربنا الشرسة وما خلفته من دمار في ذواتنا نحن نحتاج إلى أن نلتف ونتعاضد ونستمد الطاقة المشتركة بيننا لنصبح أكثر إنسانية وأكثر حباً، كما أن وباء كورونا زادنا جفاء وبعداً عن الأهل والأصدقاء، فنحن نحتاج إلى العودة لهم لنضحك من جديد وترقص أرواحنا فرحاً تغسل غبار القهر، فنعود أنقياء مُطهّرين من رجس البغضاء، لنطلق الفرح من أرواحنا بتسامحنا ونتعاطف مع من حولنا ونشدّ الأيادي، نتكاتف ضد القهر ضد البغض لتصفو نفوسنا في أوقاتنا العصيبة هذه، وفي الظروف القاهرة التي خلفتها الحرب والوباء وجعلتنا غرباء بعيدين عن أنفسنا وعن مشاعرنا، لنعُد إلى النخوة المشهود لها في مجتمعنا، إلى اللقمة التي نتشاركها جميعاً ورغم قلتها كانت تُشبعنا لأنها ممزوجة بالمحبة، نحن بحاجة إلى التسامح في كل الأوقات كي نصنع مجتمعاً مفعماً بالحب، لأننا بالحب نحيا وبالتسامح نعيش وبالأمل نصنع نوراً لأرواحنا، ومن هذا النور نضيء عتم النفس قبل ظلام الحياة من حولنا، لنعُد بشراً أنقياء مُحبين نصنع جيلاً مُحاطاً بالحب والرحمة لأنهما طريق التسامح الذي يجعلنا أكثر قرباً وأكثر ألفة.

العدد 1104 - 24/4/2024