الاعتذار جريمة لا تُغتفر في مجتمعاتنا القبلية

إيمان أحمد ونوس:

آسف/ة .. اعذرني.. سامحني… الخ مفردات تعود بجذرها إلى مفاهيم وقيم التسامح، العذر، التبرير، وقبول الاعتذار، هذه المفردات كثيراً ما نُكرّرها أو نستعملها في أحاديثنا اليومية، لكن، هل من صدىً لها في علاقاتنا الاجتماعية بمختلف اتجاهاتها؟

لا شكّ أننا مجتمعات ما زالت تحكمها في الصميم علاقات قبيلة- عشائرية بمختلف قوانينها وأعرافها،  بعيدة كل البعد عن علاقات المدنية والحضارة الحديثة التي نعيش مظاهرها لا أكثر. ولهذا نجد أن غالبية المفردات المُستخدمة في أحاديثنا أو علاقاتنا لا تُلامس عمق الواقع أو العلاقات الاجتماعية التي نعيشها، بل هي مناقضة لها تماماً، والأمثلة أكثر من أن تُحصى.

بالتأكيد إن لكل منّا ظروفه التي تفرض عليه وضعاً ما يقوده مُرغماً للاعتذار، إمّا عن استقبالنا أو مدّ يد العون أو ما شابه، وهذا حق طبيعي إذا ما نظرنا إلى الأمر بمنظار الحقوق وثقافة العصر. ولكن النتائج لن تكون بتلك البساطة التي نراها أو نقتنع بها، بل على العكس ربما تحدث القطيعة المفاجئة، لأن ما أقدم عليه هذا الشخص المُعتَذِر كان، في ثقافتنا القبلية، بمثابة جريمة لا تُغتفر، ولأننا لم نمتلك يوماً ثقافة الاعتذار وقبوله، أو محاولة تبرير تصرّف الآخر قبل أن نعرف منه أسبابه ودوافعه، وبالتأكيد هذا ما يُبرهن على علاقات اجتماعية أو أسرية هشّة، واهية وغير إنسانية في عمقها.

إن بناء ثقافة الاعتذار والتسامح والتبرير لا بدّ أن تبدأ من الطفولة لتغدو مع الزمن سمة أساسية من سمات الشخصية وتكوينها النفسي والثقافي، ولهذا تحتاج إلى أبوين ومربّين مؤمنين بها ويمارسونها بشكل تلقائي وطبيعي مع الطفل أولاً ومع أنفسهم والآخرين دائماً. غير أن الأهم ونحن نغرس في شخصية الطفل قيم هذه الثقافة وممارساتها أن نعلمه أن في الاعتذار قوة لا تُضاهيها سوى قوة قبول الاعتذار عن رضا وقناعة أكيدة بأنه حق من حقوق الإنسان أيّاً كان وضعه ومكانته، لعلّنا نمحو من ثقافتنا القبلية وذاكرتنا الجمعية أن الاعتذار إنكار ورفض للآخر، وبالتالي يكون لدينا جريمة لا تُغتفر.

العدد 1102 - 03/4/2024