يرقصون على دمائنا

إيناس ونوس:

صورٌ عدَّةٌ نراها يومياً من حالات الفقر المدقع الذي يعيشه غالبية أبناء المجتمع، تعلن للمتلقِّي أنَّ المعيشة في بلادنا باتت تقريباً ضرباً من المستحيل، مؤكِّدةً التَّصنيف الأخير الذي اعتمدته منظَّماتٌ عالميةٌ: أن سورية أضحت بلداً غير قابلٍ للعيش فيه.. فأعداد المشرَّدين والمتسوِّلين ومرتكبي الجرائم بأشنع أشكالها في تزايدٍ رهيب، والانحلال الأخلاقيُّ والقيميُّ والمجتمعيُّ في أَوْجِه، بالتَّزامن مع انعدام الأمان وتدهور مستويات التَّعليم والخدمات الصِّحية، إضافة إلى إلغاء دور القانون في معظم المجالات إلا حينما يخدم مصالحَ معينةً وأشخاصاً محدَّدين.

في ظلِّ هذا الواقع القاتم، تبرز صورٌ أخرى لأبناء المجتمع المخملي، أو بالأصحِّ لأثرياء الحرب والنَّهب والسَّرقة الموصوفة والعلنية، يظهرون فيها وكأنَّهم يعيشون في كوكبٍ آخر، أو في زمنٍ آخر، وكأنَّهم شخصيَّاتُ من كتابِ ألف ليلةٍ وليلة، يقيمون الحفلات الفاحشة في التَّرف والبذخ، فهنا حفلةُ زفافٍ أسطورية، وهناك حفلةٌ لا نشهد لها مثيلاً حتى في الأحلام تقام بمناسبة ولادة طفل، وأخرى بمناسبة عيد ميلاد أو نجاح أو …إلخ. في تجلٍّ واضحٍ وصارخ للفروق الهائلة بين أبناء المجتمع الواحد، ما يثير الدَّهشة والاستغراب والحيرة: (كيف يمكن لمجتمعٍ أن يحمل هذا الكمَّ الهائل من التَّناقض الصَّارخ؟).

لم يعد السُّؤال: من أين لكم هذا؟ فقد سبق أن أشرنا إلى أنَّهم حفنةٌ ممَّن استفادوا من الحرب اللَّعينة التي لا نزال ندفع لهم ثمنها، وهم يقومون بكلِّ ما يقومون به واضعين دماءنا وأحلامنا وآهاتنا وتشرُّدنا وفقرنا تحت أقدامهم غير آبهين بكلِّ ما جرى ولا يزال.

ومن غير المنطقيِّ أن نفكِّر: بأنه لو فكَّر أحدهم بتوزيع تكاليف حفلةٍ واحدةٍ على الجائعين لأطعم مئات الأشخاص، أو أمَّن مسكناً لعشرات الأشخاص، ذلك أنَّهم لا يأبهون بكلِّ تلك الشَّرائح، ولا يرونها أساساً، فهم أعلى شأناً وأرقى من كلِّ ذلك، محاولين طمس ماضيهم وسرقاتهم وجرائمهم السَّابقة والظُّهور على أنَّهم علية القوم وغيرهم رعاعٌ لا يحقُّ لهم العيش.

للأسف الشَّديد، في الوقت الذي يجب علينا أن نعمل ميزانيةً حسابيةً قبل أن نفكِّر بأن نسجِّل أبناءنا في أحد الأنشطة ليرفِّهوا عن أنفسهم قليلاً، أو أن نأخذهم مشواراً واحداً، أو نطعمهم ولو في الشَّهر مرَّةً واحدةً إحدى المأكولات التي يرونها في الأسواق ويحلمون بها.. نجد من يلهو بكلِّ أحلامنا وآمال أبنائنا بترفه وبذخه ومظاهره المزيَفة التي ما هي إلَّا لتمرير صفقاتٍ من نوعٍ خاصّْ.. فأيُّ درْكٍ وصلنا إليه؟

وبأيِّ لغةٍ سنستطيع نحن الأهل منع أطفالنا من الحلم؟ وكيف لنا أن نجبرهم على ألا يتمنُّوا أو يرغبوا؟؟

كيف لنا أن نشرح لهم، ودون أن نسبق الزَّمن ونشوِّههم، أنَّ أولئك الذين يطمحون أن يعيشوا مثلهم ما هم إلا قتلةٌ مجرمون اغتالوا ولا يزالون كلَّ أحلامهم؟!

العدد 1104 - 24/4/2024