مناسباتنا للفرح أم للبريستيج الاجتماعي؟

ريم داوود:

تتميز الشعوب بعادات وتقاليد تختلف باختلاف البلدان والقارات، يحكمها الموروث الثقافي والحضاري، كما تتحكّم بها قوانين اجتماعية ودينية، كلٌّ حسب اعتقاده ومرجعيته.

فمنذ نعومة أظفارنا ونحن نحتفل بمناسبات وأفراح مُقيمين الواجب فيها واللازم دون تقصير منّا أو مغالاة، مُدخلين البهجة والسرور إلى قلوبنا وقلوب مشاركينا بتفاصيل تتميّز بالبساطة والإتقان، لكن اللّافت في الأمر أننا بتنا نشهد في الآونة الأخيرة العكس تماماً، مظاهر من الإسراف والتبذير لم نعتد مثيلاً لها ضمن مجتمعاتنا، فقد أخذت المناسبات تتميّز بطابع من البذخ والتبذير والمغالاة وسوء تدبير في صرف الأموال لحساب المظاهر والبريستيج الاجتماعي، حتى وإن كان أصحاب تلك المناسبة فقراء أو ذوي أحوال مادية متوسطة.

حفلات الزفاف: على الرغم من الحصار الذي نعانيه، والتردي الاقتصادي الفاضح من غلاء معيشة وفقر وتسوّل، إلاّ أننا بتنا نشهد اليوم حفلات زفاف أسطورية ذات تكاليف باهظة ابتداءً من السيارات الفارهة وصولاً إلى صالات الأفراح التي أصبحت تكلفة الشخص الواحد فيها تفوق ٤٠ ألف ليرة سورية، أي ما يعادل راتب موظف ضمن القطاع الحكومي، فما بالك إن كان المدعوون بالمئات؟! فضلاً عن تكاليف المصورين والكاميرات الطائرة، والعراضات الشعبية، والألعاب النارية التي تُبهر الكبير قبل الصغير. فهل أصبح الارتباط المقدّس بحاجة إلى كل هذه المظاهر في ظلّ ظروف قاسية نحياها كل يوم؟ وكم يحتاج الشّاب في مجتمعنا من رصيد مالي كي يستطيع القيام بأعباء احتفالات كهذه، خاصة أن بعض الفتيات بتنَ يشترطن إقامة حفلات أعراس خيالية دون التفكير بأهمية هذا الارتباط وقدسيته، غير آبهات بأحوال شباب لم يعد قادراً على تكبّد المزيد من العناء؟

حفلات أعياد الميلاد: منذ فترة ليست ببعيدة أصبحنا نلحظ عادات جديدة وطرقاً غريبة للاحتفال بأعياد الميلاد، فقد أخذت بعض الأسر تتباهى بإعداد حفلات أعياد ميلاد أبنائهم وتنظيمها بحيث تتكبّد فيها تلك الأُسر مبالغ طائلة، فمنهم من يستعين بروضات أو مطاعم، ومنهم من يكلّف شركات خاصة لإقامتها ضمن صالات أو مولات، فضلاً عن الأطعمة والمشروبات والديكور الذي يبهر الكبار والصغار، واللافت في الأمر أن هذه الأُسر تظنُّ، بل تعتقد أنها بهذا الأسلوب تعبّر عن حبها لأبنائها لدرجة أصبحت فيها العائلات الفقيرة تسعى لنهج السلوك ذاته دون تفكير بكمِّ المبالغ المطلوبة للقيام بحفلات كهذه، فهل يحتاج أطفالنا إلى كل هذه المغالاة والإفراط للتعبير عن حبنا لهم؟ أم أننا نستطيع فعل ذلك بأساليب بسيطة؟ هذه الحفلات لا غاية لها سوى الظهور والتباهي.

المضحك المبكي: فيما كنت أتصفّح أحد مواقع التواصل الاجتماعي، لفتني منشور لإحدى السيدات تعرض فيه احتفالها بأسنان مولودها الجديدة، فقد أقامت وليمة جماعية، وليست المشكلة في الاحتفال نفسه، إنما في مظاهر ذلك الاحتفال الذي باتت الغاية منه حصد أكبر عدد من الإعجابات والتعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فجميعنا نحتفل منذ أيام أجدادنا بأسنان المواليد الجُدد من خلال تفاصيل بسيطة كسلق القمح الذي يعبّر عن الخير والوفرة، لكننا بتنا اليوم نشهد مظاهر غريبة، فما الغاية من توزيع الشوكولا وصنع قالب كاتو على شكل أسنان وتزيين المنزل؟ لماذا كل هذا التضخيم؟ وإن كان الهدف منه إدخال البهجة والسرور إلى بيوتنا، فالبساطة عنوان السعادة. أضف إلى ذلك حفلات تحديد جنس المولود، التي أصبحت موضة لدينا يتباهى ويتفاخر بها البعض وكأننا نحيا ضمن عالم يسعى للبريستيج، أما خفايا العلاقات الأسرية فحدّث ولا حرج.

إننا اليوم نواجه حرباً اجتماعية جديدة، وآفة تبدو غريبة، فرغم كل المعاناة والمآسي التي نتعرّض لها من ضغوط وصعوبات معيشية، إلاّ أننا نسعى جاهدين لاستقطاب إعجاب من حولنا دون الاهتمام أو حتى محاولة الاعتدال في حياتنا وتربية أبنائنا على البساطة والقناعة، أمور كثيرة يغفل عنها الآباء والأمهات في تربية أطفالهم، فالإسراف في الشيء كالشحِّ فيه، وكيف لهذه الأُسر أن ترضي غرور أبنائها ومتطلباتهم في الكبر إن كانت بداياتهم حفلات كهذه في الصغر؟

العدد 1104 - 24/4/2024