عشرون عاماً من (النور)!

ذوقان شرف:

مشاعر اعتزاز، وفرح ممتزج بالحزن، وتفاؤل ممتزج بالعزم والتصميم، وآمالٌ عريضة، تغمرنا ونحن نُنهي، مع قرّاء (النور) ومتابعيها الأعزّاء، العام العشرين من عمرها بعد إعادة إصدارها.

نعم، تغمرنا مشاعر اعتزاز، ولدينا في (النور) الكثير مما نعتزّ به، فقد كان ومازال أبرز ما ميّز (النور) أنها نأت، منذ إعادة إصدارها، عن أن تكون (لسان حال اللجنة المركزية)، وأعلنت هويّتها بوضوح: (أسبوعية سياسية ثقافية_ يصدرها الحزب الشيوعي السوري الموحد)، وبين هذه وتلك فرقٌ لا يخفى، ما أتاح لها أن تكون، بحسب افتتاحية عددها الأول، في 13/5/2001، منبراً مفتوحاً للأقلام الوطنية والتقدمية.

ومما تعتز به (النور) أن نخبةً من كبار المثقفين السوريين كتبوا وما زالوا يكتبون فيها، ويخصّونها بمقالات وآراء متنوعة، وتعتزّ أيضاً بنخبة من الصحفيين السوريين المميّزين، كتبوا ونشروا فيها تحقيقات وريبورتاجات ومقالات تركت صدىً قوياً وواسعاً، ومن ذلك مثلاً أنها نشرت، قبل أن تكمل سنتها الأولى، صفحة تفضح ممارسات التشبيح والشبّيحة.. وفضحت ممارسات الفساد في سائر مناحي الحياة اليومية والاقتصادية، وتعرّضت مقابل ذلك، مرّات كثيرة، لدعاوى كيدية في المحاكم، رفعها ضدّها بعضُ الفاسدين في الإدارات والجهات التي نشرت عنها، بقصد ترهيبها أو تكبيدها غرامات وخسائر مادية.

وتعتز (النور) أيضاً بأن افتتاحياتها ومقالاتها الرئيسية وصفحتها الاقتصادية، إضافة إلى التقارير الاقتصادية الدورية التي يصدرها الحزب، عالجت ونشرت وفضحت، وخاصة بعد عام 2005، أخطار السياسات الاقتصادية المحابية للأغنياء، التي كانت تنفّذ توصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، متغطّيةً بشعار (اقتصاد السوق الاجتماعي) و(إيصال الدعم إلى مستحقيه)، وحذّرت (النور) آنذاك وما تزال تحذّر، وحذّر غيرُها أيضاً، من تبعات هذه السياسات على الفئات الفقيرة وعلى الاقتصاد الوطني، ولكن أصحاب القرار لم يلتفتوا لهذه التحذيرات، حتى بعد أن أدّت هذه السياسات، إضافة إلى الفساد والاستئثار، إلى انفجار الأزمة الكارثية في أواسط آذار 2011، وما جرّه ذلك على البلاد والعباد.

وتعتز (النور) كذلك بصفحة المجتمع، التي عالجت وتعالج قضايا المجتمع عموماً، وقضايا النساء والشباب خصوصاً. وفي هذا السياق، شجعت (النور) وما زالت تشجع الأقلام الشابة والناشطين والناشطات.

وإذ تعتز (النور) بكل صفحة من صفحاتها، وقد خصصنا بعضها بالإشارة فيما سبق، فإنها، بعد مرور أكثر من سنة على وقف طباعتها ورقياً، بسبب جائحة كورونا، واستمرار صدورها إلكترونياً، تسعى وتحاول العودة إلى الصدور ورقياً، وقد زادت عدد صفحاتها.

**

وتغمرنا، ونحن نودّع العام العشرين من عمر (النور)، مشاعرُ فرح ممتزجٍ بالحزن، فقد تركت السنوات العشر الأخيرة، في بلادنا وشعبنا، كوارث ودماراً وضحايا، وأشكالاً غير مسبوقة من المعاناة، وما يزال ملايين المهجّرين السوريين، بعيدين عن بيوتهم وأهاليهم وعائلاتهم وأماكن نشأتهم، وعن أرزاقهم وأعمالهم.

ورغم هذا كلّه فإننا متفائلون، مع كثير من السوريين، ومفعمون بالإرادة وبالعزم والتصميم على السعي مع كل من يسعون للخروج ببلادنا وشعبنا من نفق الأزمة المظلم، وإعادة بناء سورية الموحدة أرضاً وشعباً وفق أرقى الأسس والمعايير الإنسانية.

***

ومثلما كانت (النور) على مدى عشرين عاماً منبراً للأقلام الوطنية والتقدمية وللتنوير، ومثلما كانت صفحاتها مفتوحة دوماً للحوار، وصوتاً عالياً في تبنّي المطالب المحقّة للكادحين وعموم فئات الشعب، وفي الدفاع عن حقوقهم، وفي فضح الفساد ومواجهته، فإنها ستبقى كذلك وسترتقي أكثر وتزداد تألّقاً، بدعم قرّائها رفاقاً وأصدقاء ومهتمّين ومتابعين، وبجهود كتّابها ومحرّريها وكادرها الفنّي والعاملين فيها.

 

العدد 1104 - 24/4/2024