قنوات الأطفال وتأثيرها على الأطفال سلباً وإيجاباً

يارا بالي:

تُعَدُّ الأسرة أساس التكوين المجتمعي ودعامته الأولى، ففيها تتبلور شخصية الطفل، وعليها تقع مسؤولية رعايته وحمايته من أي خطر يحيط به، فالأسرة تربة الطفولة إن صلحت، صلح المنبت والحصاد.

وانطلاقاً من أهمية التنشئة في صلاح المجتمع، وجبت العناية، وتسليط الضوء على كل ما من شأنه أن يؤثّر على الطفل وسلوكه، لضمان المستقبل. لهذا كثُرت الدراسات الّتي تناولت آثار برامج الأطفال، السلبية منها والإيجابية، لاسيما في هذا الزمن الذي تعدّدت فيه المنصّات الرقمية المُخصّصة للطفل (يوتيوب، ومحطات تعليمية، وقنوات للأناشيد، ومحطات لأفلام الكرتون …). كما سادت فيه الأجهزة الإلكترونية الحديثة من جوالات بتعدّد قدراتها وحواسيب وغيرها من الإلكترونيات، وأصبحت عالماً لا حدود له، يتجوّل فيه الطفل لساعات وساعات، تُملي عليه أفكارها، وتؤثّر فيه بطريقة غير مباشرة.

تكمن خطورة هذه البرامج بكونها موجّهة للطفل في أولى مراحله العمرية، أي في أول خمس سنوات من حياته، ففيها يكون الطفل كالصفحة البيضاء، يكتسب جُلَّ أفكاره ممّا يحيط به من خير أو شر، وهنا تتدخل هذه المحطات الّتي تقوم ببث الرسائل الخطيرة، بمؤثرات بصرية وسمعية تشدُّ الطفل وتنتقل إلى وعيه، لتؤثّر على أفعاله، ونموه الفكري، وخياراته المستقبلية، لأن الطفل فيها يأخذ دور المتلقي فقط، إذ لا يوجد أي نقاشات أو حوارات. وإذا بحثنا في أعظم المخاطر التي تسببها هذه المنصّات الموجّهة للطفل سنجد أنها تحضُّ على التفرقة، وزرع التمييز بين الذكر والأنثى، من خلال صورة البطل_ النموذج_ الذكوري، فهو المُخَلّص الدائم للأنثى من عذاباتها، وهو الحلم المنتظر لكل فتاة، وبيده كل القوة والسيطرة شبه التامة على الأنثى، لتترسّخ عبر هذه البرامج الفروق بين الجنسيين، وتغدو الأنثى هي التابع، العاجز عن تحقيق ذاته وطموحه بلا ذكر يحميها. كما حملت صورة الأنثى كاملة الأنوثة المتمثّلة بشخصيات (ديزني) معها الكثير من المخاطر النفسية على المدى الطويل، كقلّة الثقة بالنفس الناجمة عن المقارنات الجسدية مع نجمات ديزني، كسندريلا وفلّة وغيرها من النماذج الخرافية، إضافة إلى هذا كله، شجّعت بعض القنوات على العدوانية والعنف، من خلال صور حمل السلاح والقتل والدمار الّتي غزت البرامج مؤخّراً، كما ساهمت المشاهد المخيفة والأشكال المرعبة، المنافية للواقع الّتي تعرضها هذه المحطات بتشويه خيال الطفل، وزرع الهلع داخله، وأحيانا قد يتفاقم الأمر فيصل إلى أحلام الصغير الليلية ليحوّلها إلى كوابيس تتركه عرضة لصعوبات النوم. وجاءت بعض القنوات ببرامج وأناشيد تبثّ القضايا الدينية، وتحثُّ على التطرّف، ورفض الآخر، فكل من يتبع هذه النظم الدينية جيد ومقبول، ومن لا يتبعها لا يحظى إلاّ بالرفض والأحكام السيئة، فالثقافة الدينية لا بدّ أن ترتبط بالثقافة المجتمعية للحفاظ على التوازن والابتعاد عن العنصرية بين الديانات والمذاهب. ومن المخاطر السلبية لبعض المنصّات الخاصة بالطفل، أنها قدمت محتوى إنشادياً باللهجة العامية، بدلاً من اللغة الفصحى، فقرّبت العامية من قلب الطفل لارتباطها بوقت المرح والتسالي، على عكس اللغة الفصيحة التي لا يمارسها الطفل حالياً إلاّ في الواجبات المدرسية المُلزم بها. وقد جاءت بعض برامج الكرتون من ثقافة غربية مغايرة لثقافتنا، عن طريق فن (الدوبلاج) وحملت معها سلوكيات بعيدة عن المثل والأخلاق الّتي تربّت عليها أجيال المجتمع العربي، لتكون بذلك كمن يضع السمَّ بالعسل. ولم تسلم صحة الأطفال من هذه التأثيرات السلبية، فجاءت الدراسات الطبية بالتحذيرات من مخاطر الجلوس الطويل أمام شاشات التلفاز والجوال، لما قد تحمله من عزلة وابتعاد للطفل عن النشاطات الاجتماعية، والتفاعل مع أبناء جيله للمستوى الّذي قد يصل بالطفل للإصابة بالتوحد، إضافة إلى الحدِّ من الإبداع والخيال، نتيجة نقص التركيز وتشتّت الأفكار، وغالباً ما يكون الطفل عرضة للسمنة نتيجة نقص الجهد البدني والرياضة، إضافة إلى المشاكل المرضية المحتملة بالعيون.

وعلى الرغم من جميع هذه المخاطر الحاصلة إلاّ أنه يوجد إيجابيات واضحة لهذه التكنولوجيا، تتمثّل بالتشجيع على الكثير من السلوكيات الجيدة للفرد والمجتمع، كالتعاون ومساعدة الغير والنظافة، واللطف في التعامل مع الآخرين، وتنمية الخيال في أغلب الأعمال الفنية من خلال القصص الشيّقة، والألوان الجذابة. وبهذا تكون التكنولوجيا بأيدي الأطفال، سلاحاً ذا حدّين، لا سلام في استخدامه بلا رقابة الأبوين ووعيهم بمخاطر هذه الأدوات، فإن أحسنوا السيطرة والرقابة استدركوا خيرها وتفادوا شرّها، وإن استهانوا بها وقعوا في المحظور، لأن هذه المحطّات ما هي بأغلبها إلاّ مشاريع ربحية تهدف إلى زيادة عدد المشاهدات، لتزيد الأرباح معها.

العدد 1104 - 24/4/2024