كل ثقافة تحمل إيديولوجية تخص النوع الاجتماعي!

يارا حسون:

نستخدم مصطلحات كثيرة شاع استخدامها في السنوات الأخيرة، فيما يتعلق بالقضايا الإجتماعية بصفة عامة، وبقضايا المرأة بصفة خاصة أكثر من الرجل، وللتعبير عن الصورة التي ينظر بها المجتمع إلى الذكر والأنثى والأسلوب الذي يتوقعه منهما، والذي يرجع الى أسلوب تنظيم المجتمع، وليس الى الفوارق البيولوجية العضوية بين الذكر والأنثى التي لم تعد ذات قيمة، بل التعامل معهم على أنهم مخلوقات متساوية في الخصائص والمقومات، ولذلك فإن كل تمايز هو أمر مصطنع يعود إلى عوامل دينية، سياسية، اجتماعية، اقتصادية وذهنية. للمجتمع الأثر الأكبر في تشكيل الشخصية، ومجتمعاتنا لم تستطع بعد فتح المعابر ولو جزئياً للتعامل مع مفهوم النوع الاجتماعي وتوظيفه باعتباره أداة بما يلائم واقع مجتمعاتنا، فهو ليس لنقض القيم والعادات والتقاليد، ولا بالسيطرة على الرجل، بل يعني أدوار كل من الرجل والمرأة وممارساتهما في المجتمع.

يتميّز الدور الجندري بتصنيف الأشخاص حسب هويتهم الجندرية، فمهام الرجل المنزلية تتمثّل في صيانة السيارة، بينما الأنثى بأعمالها الروتينية مثل التسوق، تحضير الطعام، تنظيف البيت. هذه التصنيفات تعود لقواعد يفرضها المجتمع وتتأثّر بثقافته وبالنظام الاجتماعي العام.

يبدأ تأثّر الأطفال بالمفاهيم الاجتماعية حول الجندر منذ لحظة الولادة، ففي البداية لا يعرف الطفل شيئاً عن نفسه وخصائصه الجندرية، غير أن المجتمع وتربية الأسرة هما العاملان الحاسمان في  تكوين النفسية الأنثوية أو الذكورية بغض النظر عن الطبيعة العضوية، فالهوية الجندرية ليست بالولادة، إنما تتشكّل وتترّسخ وفق العوامل الأسرية والمجتمعية، إضافة إلى المدرسة ووسائل الإعلام وغيرها .فقد حُقِنَتْ الرجولة في عقلية الأولاد بطرق مختلفة، وهناك ضغوط اجتماعية عليهم لإنكار مشاعرهم والتصرّف بقوة جسدية لإثبات جدارتهم عن طريق السيطرة أو المنافسة مع الآخرين .

يبدأ التعامل الجندري مع الطفل عن طريق الأهل والمجتمع، وهذا ما يتعزّز أكثر بوسائل الإعلام ولاسيما التلفزيون بما له من دور كبير في تنميط أدوار الرجل والمرأة، فهو لا يزال يضع الأنثى في دورها التقليدي مثل ربّة بيت، مُمرّضة، تقديم الإعلانات التجارية لتسويق المنتجات كالمنظفات، بينما الذكور يظهرون كشخصيات مسيطرة، مديرين، تُجّاراً ورياضيين.

وفي المدرسة يؤثّر المعلمون على طلابهم بتنميطهم الجندري، فالطفلة يتوقع منها أن تكون هادئة ومؤدّبة، بالمقابل لا يتمُّ هذا التشديد على الطفل الذكر بهذه الأمور. ومن هنا نصل لأن يُحاكي الذكر المراهق الأشخاص الأقوياء، ومثاله الفتى مفتول العضلات، بينما الفتيات في هذه المرحلة ينحصر اهتمامهن بطريقة اللباس حسب الموضة، لكن يقلُّ اهتمام كليهما بتنمية المواهب الثقافية والقدرات. كما يحتكر الرجال المناصب السياسية والقيادية ومراكز اتخاذ القرار في العالم، وما يزال دور المرأة في هذا المجال مقيداً ونسبة مشاركتها ضئيلة.

اليوم، صار من اللازم إعادة تقييم الواقع من خلال قراءة قضايا المرأة والرجل بشكل غير تقليدي، بل رؤيتها من منظور النوع الإجتماعي وبالأخص داخل الأسرة بداية، ومن ثم الانطلاق إلى باقي مؤسسات المجتمع وصولاً إلى مؤسسات التشريع كي تُسنّ قوانين تساوي بين الجنسين في الحقوق والواجبات على جميع الأصعدة.

العدد 1102 - 03/4/2024