لا حاجة للكهرباء!

د. أحمد ديركي:

نعيش في القرن الـ21 والتطورات العملية متلاحقة إلى حد يصعب فيه متابعة كل التطورات التي تلحق بهذا العالم. ففي كل مجال من مجالات العلوم، سواء الطبيعية او الإنسانية، هناك مستجدات وتطورات شبه شهرية أو فصلية تضاف إلى كل فرع من هذه الفروع.

لذا أصبح التخصص في أحد العلوم واحداً من أبرز التحديات التي يمكن أن يواجهها الإنسان الحديث، بمعنى من يعيش في الزمن الحالي، وذلك لكثرة التطورات وفي بعض الأحيان لتداخل المواضيع المبحوثة. فعلى سبيل المثال من يدرس علم نفس عليه أن يجيد إلى حد ما علم الإحصاء، لما يمكن لهذا العلم أن يضيف من معطيات إلى علم النفس. وفي الوقت عينه من يدرس علم الإحصاء عليه أن يجيد ولو قليلاً من علم النفس لما يمكن للعامل الإحصائي أن يؤثر على الانسان. وبهذا تتداخل العلوم والتفرعات المرافقة لها، ولكن هذا لا يعني بتاتاً أن يجيد كل إنسان من كل بحر قطرة، بل العكس تماماً. بمعنى وجوب التخصص في مجال واحد ويطعم بفروع أخرى تخدم تطوير هذا التخصص.

ولم تعد الأمور تقتصر على المستويات النظرية، بل أصبح هناك نوع من المختبرات لكل فرع يمكن أن تجرى به الأبحاث لتكون التجارب خير دليل على مدى التطور، وإن تعذّر وجود مختبرات لبعض العلوم فهناك مراكز الأبحاث المتفرعة والتي يمكنها أن تتناول أو تضم أكثر من علم لإنتاج تقارير ودراسات تعمق هذا العلم أو ذاك.

فعالم اليوم أصبح أكثر تعقيداً وأكثر علمية ومستلزماته أصبحت أكثر.

لقد انتهى زمن الخطب الشعبوية، أو للدقة أكثر، زمن الخطب الشعبوية إلى أفول! ولكن للأسف يبدو أن الكثيرين في العالم العربي ما زالوا يعيشون في كتاب التاريخ، في نسخته الأولى، معتقدين أن الخطب الشعبوية ما زالت قائمة وتأثيرها على الشعوب العربية ما زال هو هو. والبعض منهم يعتقد أن الخطب (الرنانة) الخالية المضمون يمكنها أن تزيد من (غباء) المستمعين إليها ليبقوا ضمن هيمنة الخطيب. ولكن ألا يعلم الخطيب أن جزءاً كبيراً من مستمعيه أصبحوا خارج نطاق سمعه!

فعالم التكنولوجيا بكل تعقيداته، يسهل استخدامه من قبل أي شخص غير متخصص به، ويمكنه أن يزوده بالمعلومة التي يريد ليرفع من سوية متلقي المعلومة. ولكن، للأسف، في القرن الـ21 لا حاجة إلى التكنولوجيا في بلادنا لأن التكنولوجيا تحتاج إلى بنية تحتية متينة، ومن أهمها التيار الكهربائي، والعالم العربي برمته، إلا في جزء يسير منه، يعاني من غياب هذا الاختراع المسمى كهرباء. وبهذا لا حاجة إلى التكنولوجيا وتبقى الوعود والخطب الشعبوية وتحديداً في هذا المجال هي الشائعة.

وداعاً أيتها الكهرباء!

العدد 1105 - 01/5/2024