علمانية بين إيمان وإلحاد

ريم داوود:

مرّت البشرية منذ الأزل بتقلّبات وتطورات عرف فيها الانسان أدياناً عديدة تنوعت فيها العبادات. فمنهم من اتخذ من الأوثان إلهاً له، ومنهم من منح الحيوان تقديساً وتمجيداً، وآخرون وجدوا في الشمس آلهة لهم كما هو الحال في تاريخ الإغريق، إلى حين ظهور الإله الواحد الذي جسّدته الأديان السماوية (اليهودية، والمسيحية، والإسلام).

 يحدثنا التاريخ عن سلطة الكنيسة التي دامت عهوداً طويلة في أوربا حاجبةً محاولات المفكرين النهوض، فنجد أبحاث العالم كوبرنيكوس عن دوران الأجرام السماوية تقابل بالمعارضة والرفض في ذلك الوقت بهدف استمرار سيطرة الكنيسة لا أكثر، وصولاً إلى إلغاء تسمية (الخلافة الإسلامية) في تركيا وقيام نظام علماني فيها بدلاً منها.

ومع تقدم العلم وتطور الحياة الاجتماعية أخذ مصطلح العلمانية يتسع ويتشعّب، وتنوعت التعريفات التي قُدِّمَ بها مع اختلاف الزمان والمكان. ففي دائرة المعارف البريطانية: العلمانية هي حركة اجتماعية تتّجه نحو الاهتمام بالشؤون الأرضية (الدنيوية).

والجدير بالذكر أنه ليس للعلمانية تعريفٌ واحد مُحدّد ومتفق عليه، فمنهم من وجد فيها فصل الدين عن الدولة. ومنهم من وجد فيها فصل السلطة الزمنية عن السلطة الروحية. وآخرون قالوا إنها فصل الدين عن السياسة، وقد أسهب المفكرون والمثقفون حول العالم بشرح معنى هذا المصطلح نظراً لأهميته. والسؤال ها هنا: هل العلمانية ضدّ الدين؟ هل يمكن للإنسان أن يكون علمانياً ومؤمناً؟ هل كل علماني بالضرورة مُلحِد؟ أسئلة كثيرة تطرح ضمن المجتمعات العربية يدور فلكها حول ماهية هذا المفهوم وآلية الخوض فيه.

فإذا ما بحثنا وتقصّينا في تاريخ العلمانية سنجد أنها مذهب فلسفي ونمط في التفكير، فهي ليست عقيدة نعتنقها أو أسلوباً نحارب به الدين والإيمان. وبمحصلة هذه الأفكار قد يكون من المفيد أن نوجزها بأهمّها، وهي أن العلمانية وحسب تعريفات مُتعدّدة متغايرة تعني إعادة إنتاج الدين بطريقة محدثة لا إلغاءه، فهي ليست ضدّ الدين ولا تعني اللادين أو الإلحاد، فإعادة إنتاج الدين بطريقة محدثة تؤدي بالضرورة إلى علمنة التديّن.

وفي الختام لابدّ أن نؤكّد أن كل ما طُرح من أفكار هدفه الخروج من التصورات النمطية التي تحصر العلمانية في خندق الإلحاد.

العدد 1104 - 24/4/2024