أين العلمانية في زمن تفاقم الإرهاب؟

وعد حسون نصر:

بعد صراعنا للبقاء ونشر العدل والمساواة بين الجميع من طائفة، إلى طبقة، إلى حزب، إلى المساواة بين الأنثى والذكر، لتبقى لنا الحرية المخلوع عنها حجاب التقوى الزائفة، تكون مفاجأة الواقع أن الدين هو سيّد الأحكام، ورجاله هم قادة الرأي السديد، ونساؤه ناشطات وهم المعلمات الفاضلات المساهمات في نشر الفضيلة. لذا بدأنا نرى بوادر انفتاح الأبواب للناشطين في المجال الديني من الجنسين، تُلقى عليهم تحيات الإجلال باعتبارهم خير سادة في المجتمع، مُباركين بلمسات الشفاعة وقبلات اليد لطلب الرضا.

تُرى، نحن كمجتمع مدني يسعى للمواطنة بمفهومها الصحيح والمساواة التامة بين كل المواطنين القابعين تحت سلطة هذه الدولة وسمائها، أين توجُّهنا؟ هل بتنا نقبع تحت أحكام التشريع الديني أم تحت قانون وأحكام ومراسيم بعيدة كل البعد عن الدين؟

من المعروف أن مفهوم العلمانية ظهر في الغرب مع اندلاع الثورة الفرنسية حين خرجت الطبقة البرجوازية ضدّ النظام الإقطاعي الذي كان متحالفاً مع الكنيسة ومتخفّياً وراءها، وبدأ يسود مبدأ فصل الدين عن الدولة، فابتعد بعض الشعوب عن البقاء تحت سلطة رجال الدين وأحكامهم، لذا لا ضرر من خلق العدالة وجعل الدين ورجاله بعيدين كل البعد عن السياسة، وأن يكون رجال الدين والمتدينون عامة هم أول من يجب أن ينادوا بتطبيق العلمانية.

على مرّ التاريخ الإسلامي، ومنذ عهد الأمويين، لم يكن الشقّ الديني مسيطراً على الشق السياسي، بل العكس هو الصحيح، فالسياسي كان ولا يزال هو المسيطر والمتحكّم في الديني، وللأسف مفهوم العلمانية سُطّح وشُوه عربياً بسبب أن رجال الدين يصورون العلمانية على أنها الكفر والإلحاد. ولا ننسى أن العلمانية العربية هجين، تقف مع الديكتاتوريات وتشن الحروب على المتدينين، وإذا كان البعض من المتدينين ينتقد تطبيق العلمانية معتبرين أنها تخالف المفهوم الإسلامي، وخاصةً أنها من وجهة نظرهم تحثُّ على الحرية المطلقة، حرية الفرد في ممارسة طقوسه حتى وإن كان ملحداً على ألّا يمسّ أحداً غيره.

ولذلك فإن سورية، بعد حرب شرسة مع الإرهاب وجماعاته التكفيرية والقتل المتعمّد باسم الدين ونشر رايته بمفهوم بعيد كل البعد عمّا يحمل من إنسانية، هل ستخطو خطوة جديدة في طريق جعل رجال الدين هم سادة الأحكام في الدستور السوري الجديد؟ ألا يكتفي هؤلاء بمهامهم الأساسية المتجسّدة بالشؤون الروحية والتحكّم بالأحوال الشخصية؟ ألا يكفينا قتلاً وسفك دماء باسم الدين وتشويه صورته الروحية وما يحمل من قيم سامية ومبادئ تحثّ على الأخوّة والمحبة ونصرة المظلوم وإعلاء صوت الحق؟ فكيف يمكن لدولة تمارس السلطة على المجتمع من خلال الاقتصاد والسياسة، أن تعطي للدين ورجاله فرصة السيطرة على كل قطاعات المجتمع (التعليم والصحة والثقافة والإعلام… إلخ)؟!

حين نستند إلى العلمانية كمرجع، فإننا ننشر مفهوم المساواة والمواطنة والعدالة في تطبيق القانون، وبالتالي يمكن عندئذٍ فصل الدين عن الدولة، وإحلال العلمانية وحرية الفكر تحت سلطة القانون، وإنشاء لغة حوار تبتعد كل البعد عن الحلال والحرام وما يخالف مذهباً ما أو يرضي آخر. لذلك من حقنا كشعب سوري خاض معركة لم تنتهِ بعد في صراع أدمغة شوّهت مفهوم الدين بكل طوائفه، من حقنا أن ننعم بخطوة جديدة من الاستقلال الفكري تتحقق بفصل الدين بكل مقوماته عن السلطة والسياسة، فلا يمكن أن نعود إلى حدّ السيف للفصل بين المتنازعين، مادام هناك قانون وعقاب اسمه السجن وفيه يفترض أن يلقى المسجون عقابه، وبالتالي العمل على إصلاحه ليعود إلى المجتمع إنساناً سوياً.

لذا علينا أن نجعل الدين طقساً في دور العبادة بعيداً عن جعله قاضياً في ساحات المحاكم، فلكل سلطة عملها، وما أجمل أن تتعانق الأرواح المؤمنة مع باريها داخل مكانها الخاص بعيداً عن ضوضاء الطرقات، ولا ضرار أن يكون في شارع ما حانوت وخمارة، وفي آخر مسجد أو كنيسة، ونحن نختار أين نريد الدخول أو الجلوس.

العدد 1104 - 24/4/2024