هزّ بدن!

 محمود هلال:

كأنما لا يكفي المواطن هزّ البدن في النهار وهو يسعى لتأمين حاجاته الأساسية ابتداءً برغيف الخبز وما يتبعه لتحضير طبخة غذاء لأولاده من زيت وسمن ورز برغل وخضراوات وغيرها، فتأتيه هزات ليست بالحسبان. منذ أيام حصلت هزة أرضية قوية بالقرب منّا، هزت بدننا ليلاً لعدة ثوان، وقطعت علينا أحلامنا الوردية الجميلة التي نحلم بها يومياً، وهي تحسين أوضاعنا المعاشية بزيادة الرواتب والأجور والحصول على كل المواد الأساسية بسهولة دون عناء، دون الرجوع إلى تطبيق (وين) لمعرفة الدور على الغاز والمازوت والمواد التموينية، ودون الانتظار الممل لورود الرسائل لتلك المواد. وقد تبعها هزات ارتدادية خفيفة ومتوسطة واحدة منها حدثت نهاراً في اليوم التالي أثناء كتابة هذه الزاوية.

أجل مسلسل الهزّ مستمر لكن من نوع آخر، هز لكل البدن وليس للخصور فقط أو الرؤوس، لقد تأثرنا بأغنية (وين الملايين والشعب العربي وين؟)، وهناك من هز ورقص تفاعلاً مع هذه الأغنية التي ألهبت المشاعر القومية والوطنية يوماً ما. ذكرتني كلمات تلك الأغنية اليوم بتطبيق (وين) للبطاقة الذكية التي أصدرتها (تكامل) وتستخدمها شركة محروقات سادكوب لتوزيع المازوت والغاز، كما جرى استخدامها لتوزيع المواد التموينية مثل السكر والرز والشاي ويمكن أن تستخدم لاحقاً لمواد أخرى.

جاءت التسمية (وين) لهذا التطبيق موفقة تماماً، وكأنها مدروسة بعناية، إذ أصبح المواطن يردد كلمة وين أكثر من مرة باليوم، وين الغاز؟ إذ بات الناس ينتظرون الرسالة أكثر من شهرين، وين المازوت مازالوا بانتظاره من العام الماضي، وين الرز، وين الشاي، وين المؤسسة التي لا ازدحام عليها، وين.. وين.. ووين، حتى أصبح (يُوَيوِن) و(يئن) طوال اليوم منذ أن يستيقظ حتى ينام، ويعود ليكرر هذه السيمفونية في اليوم التالي ليبدأ بالهز من جديد.

قبل الحصول على أسطوانة الغاز عبر البطاقة الذكية كان المواطن يترنم على أصوات الأسطوانات الفارغة أمام محلات الغاز، وقبلها كان يترنم على قرقعة موزع الغاز أثناء دورانه في الحارات ومناداته على هذه المادة التي أصبحت اليوم هاجساً للكثيرين، الذين يترقبون وصول رسالة الغاز بفارغ الصبر، ليقيموا بعدها الأفراح والليالي الملاح، ويطلقوا الزغاريد، لأن انقطاع هذه المادة يشكل مأساة حقيقية داخل الأسرة، وخاصة عند ربة المنزل التي أصبحت لا تعرف لا تعرف كيف تتدبر أمورها وتعد الطعام لأولادها وعائلتها، ويزداد الأمر سوءاً مع فترات التقنين الطويلة للكهرباء وانقطاعاتها المتكررة.

وكذلك الأمر ينطبق على فقدان مادة المازوت، فالكميات التي حصل عليها المواطنون غير كافية خاصة في الأرياف وفي المناطق الجبلية والباردة، ونجد الغالبية يحملون (بيدوناتهم) ويبحثون عن مادة المازوت عند تجارها في السوق السوداء، خاصة في هذه الأيام الجليدية، ليكملوا لياليهم السوداء ويواجهوا شتاء هذا العام وبرده القارس وينتهوا من سؤال (وين) الذي أرّق حياتهم ونغّص عيشهم!

أخيراً يبقى السؤال: وين الجهات الحكومية التي عليها تخفيف معاناة المواطنين الصابرين الصامدين في هذا البلد، وتأمين جميع احتياجات من غاز ومازوت وخبز ونقل وكهرباء ومواد تموينية وغيرها وبأسعار رخيصة ومقبولة تقلل من همومهم وأوجاعهم وتخلّصهم من كل أنواع هزّ البدن الذي أرّق حياتهم؟

العدد 1104 - 24/4/2024