أحلام اغتالتها الحروب

وعد حسون نصر:

نعم، هي أحلامنا نحن العرب بشكل عام والسوريين بشكلٍ خاص، اغتيلت، قُتلت آمالنا، دُفنت طموحاتنا في ظلّ حرب حرقت الروح فينا، وأتت معها جائحة اكتسحت العالم واستقرّت في بلدنا الحبيب، مع إدارة فاشلة لفريق معني بصدّها، وهنا بات أطفالنا بأعمارهم الصغيرة رجالاً يحملون مسؤولية أسرة وأب عاجز وأم مريضة، بالمقابل نساؤنا بدل أن يكنَّ منعّمات بالأنوثة، أضحت أيديهن قاسية لا تحمل الورد، إنما تحمل أمتعة تجول بها في الطرقات لتبيعها بثمن لقمة العيش، تحمل أدوات التنظيف تنقلها من منزل إلى منزل مقابل ما يسدُّ رمق القهر والجوع، حتى الرجال ركنوا أحلامهم وطموحاتهم جانباً لم يعد أمامهم سوى العمل ليلاً نهاراً لتأمين حال الأسرة، ضاعت أحلامنا نحن السوريين على طابور الخبز لساعات طويلة، وعلى دور الرز والسكر فقدنا حلاوة الأمل فينا، وأمام موزعي الغاز ذهب الدفء منّا وكأنه يرفض أن يساومنا على شُعلة حب في عظامنا، ومع المازوت احترقت أرواحنا فلم نعد نشعر بالدفء بقدر ما نشعر بتقلّب الروح فينا على حرقة آهات الذل.

نعم، هي الحروب تحرق كلّ الحب من الروح، لكن الأشدَّ إحراقاً هو فشل الإدارات وخاصة إدارة الأزمة، فالقرارات الخاطئة في المكان والزمان غير المناسبين، إذ كيف للفريق المعني بإدارة الأزمة رفع سعر رغيف الخبز في الوقت الذي يعاني نصف المواطنين من فقر وعجز مادي شديد، بالتالي يقتات فقط على رغيف الخبز؟ وكيف ولماذا يُرفع سعر المحروقات ومازال الراتب ثابتاً لا يكفي ثمن الطعام والشراب ليكون كافياً لسدّ مصاريف النقل والتنقل؟! ويقال مثل ذلك أيضاً عن التقنين الجائر للكهرباء ونحن في موسم مدارس ومرض في ظل انعدام الطاقة البديلة للإنارة وللتدفئة؟ كيف لا ينظر هذا الفريق المعني إلى حاجتنا للكهرباء في مثل هذه الفترة وخاصة فترة المساء؟!

أخطاء وهفوات يرتكبها بعض أصحاب القرار تقع مثل الصاعقة فوق رأس المواطن، فيرى نفسه يحمل مئة بطيخة في يد واحدة، باتت همومنا مقسمة ما بين الصحة، فنحن نخشى المرض لأننا نريد أن نستمر في العمل من أجل مصاريف الحياة، وتأمين الطعام والشراب، وتأمين وسيلة نقل للذهاب إلى عملنا، وكأنه كُتب علينا الشقاء، لا رحمة أحاطت بنا من السماء ولا شفقة جاءت من العباد، بتنا مشرّدين في أصقاع الأرض، مهجّرين في أرجاء الوطن، الذل يلفنا على أبواب مؤسسات هذا الوطن، السعادة أضربت عن روحنا والضحكة هجرت أفواهنا، والنوم سافر من عيوننا، وبقي الهمّ الوحيد مُعشّشاً في ثنايا الفكر وخلجات الروح، شاب الطفل فينا، والشاب أصبح كهلاً قبل أن يبلغ الثلاثين، نرى بعض كبار السن يفترشون الطرقات بدل أن يكونوا داخل بيوت الراحة يتنعمون بالعناية والدفء، أليس من واجب الحكومة أن تؤمّن أقلّ ما يمكن من رعاية صحية وغذاء كافٍ للمسنّين؟!

أليس من الممكن أن تكافئهم على سنوات خدمتها ببطاقة تأمين صحي ومأوى وغذاء مفيد؟!

نحن نفتقد كل مقومات الحياة في كل سنوات أعمارنا، لم نعد نستطيع قتل أحلامنا أكثر في بلد قتل فينا زهرة العمرة بسبب الإدارة الفاشلة، ارحموا ما تبقى من عمرنا ومن أحلامنا، ودعونا نعمل معكم بحب لنرفع شبح القهر عن بلدنا، فنحن بحاجة إلى دعمكم لنقدّم منّا العمل والعطاء، دعمكم مع عطائنا وعملنا ربما يكون غذاء لروحنا، وهنا نُعيد إحياء أحلامنا ببلاد خضراء من جديد، نعود لنزرع الأمل مروياً بالحب، نحيي العروق الخضر بأرضنا القاحلة لتنبت سنابل خير من جديد، ويصبح رغيفنا بيد كل جائع، وتنضح ثمارنا حلاوة لكل مرارة قهر، وماؤنا يروي عطاش النفوس، علّنا نحيا من جديد بدل أن نبقى شبه أموات نتنفس القهر متجولين على أبواب المؤسسات نشتري عفن البقاء مع نكهة الذل.

العدد 1104 - 24/4/2024