الدراسة الجامعية بين رغبة الطالب وطموح الأهل

ريم داوود:

(إنها الشهادة الثانوية) لطالما ترافقت هذه العبارة مع عبارة أضخم منها ألا وهي (تحديد المصير). لم تأتِ هذه العبارة عن عبث، فبمجرّد أن نسمع بها تستجلب أذهاننا تلقائياً حال طلاب الشهادة الثانوية، فكل سنة مع صدور النتائج تكون القلوب منقبضة، والأعصاب متوترة، والعيون ساهرة، والآمال منتظرة لاختيار الفرع الذي طالما حلم به كل طالب، فرع تُبنى عليه حياته وكامل مستقبله لسنوات عديدة. من الطلاب من اختار رغبته مسبقاً وعمل جاهداً لنيل ما اختاره والحصول عليه، ومنهم من ترك الأمر لموعد صدور النتائج، والبعض الآخر فضّل خوض غمار اختصاص لا على التعيين دون رغبة أو اختيار.

ضغوط ومؤثّرات خارجية وداخلية تشكّل حجر الزاوية في اختيار الطالب لاختصاصه الجامعي، فمن جهة رغباته وأحلامه التي طالما حلم التحليق في سمائها، ومن جهة أخرى طموحات الأهل التي ليست بالضرورة متناسبة مع رغباته وأحلامه، فضلاً عن معدّلات القبول المطلوبة في كل سنة. فكيف يمكن لطالب لم يتمّ الثامنة عشرة الموازنة بين رغباته وأحلامه من جهة، وطموحات والديه والتأسيس للخوض في سوق العمل؟!

يعاني طلابنا دون استثناء شبح الشهادة الثانوية الذي أصبح ثقلاً ووزراً على كل من الطالب والأهل، فمع بداية العطلة الصيفية نجد المعاهد الخاصة فتحت أبوابها معلنة بدء التحضير للعام الجديد، ليتأهّب الطلاب وذووهم في التحضير أيضاً على المستوى المادي والنفسي، فضلاً عن التغيّرات الجذرية التي تحصل في حياة الطالب، من إيقاف للنشاطات والفعاليات واللقاءات التي هي جزء لا يتجزأ من حياة الطالب. فهل سألنا ذواتنا يوما كأولياء أمور عن كمّ الضغط والتوتّر والرعب الذي يعيشة أبناؤنا؟ وهل حاولنا أن نوازن بين قدراتهم وطموحاتنا، أم أننا نسعى دوماً لتحقيق ما فاتنا من خلالهم؟

إننا كوالدين نرغب دوماً في دفع أبنائنا نحو التميّز والتفرّد، لكن هل سألنا أنفسنا: ما هو التميّز وكيف يمكن لنا أن نخلق في أبنائنا الإبداع؟ إن الذكاء والإبداع ليس مقتصراً على فهم المنهاج الدراسي إطلاقاً، فكم من مبدع خارج أسوار المدارس لكن طاقاتهم مهدورة للأسف، وكم من طالب عارك اختصاصاً لا يرغبه وطاقاته مهدورة!

فلندع لأبنائنا حرية قيادة سفينتهم ولنكن لهم الموجّه المُرشد في القرارات، ولنعلمهم أنهم لسفينتهم الربّان ونحن زملاء لهم!

لنساعد أبناءنا في اتخاذ قراراتهم ونؤكّد لهم مسؤولية هذا القرار، ولنترك لهم حرية الاختيار والتحليق في عالم من صنعهم لا من صنعنا.. فكم من طبيب بائس غير راضٍ، وكم من رسام يُحلّق في دنيا الجمال!

العدد 1102 - 03/4/2024