التنمّر بين السلوك والآفة الاجتماعية

ريم داوود:

بدأت ظاهرة التنمّر تنتشر كثيراً في الآونة الأخيرة حتى أننا أصبحنا نلاحظها في كل مكان وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.

قد يبدو مصطلح التنمّر جديداً لدى البعض منّا، لكنه فعل وسلوك موجود منذ قديم الزمان وفق تسميات مختلفة. فالتنمّر شكل من أشكال العنف كالسخرية، التهديد، التهكّم، وأحياناً العنف الجسدي.

سامي شخص مسالم، ودود، محب للحياة والعلم، حسبما ذكر، يستطرد سامي حديثه ويتابع (ياريت يرجع فيني الزمن.. كنت غيّرت كتير شغلات!)، يتأوه بحسرة ويذهب شريد البال!

 أقاطع خلوة أفكاره وأتطفّل عليه بسؤال:

+ وهل لي يا سامي أن أعلم ما حالك؟

يتنهّد متنفساً الصعداء وتعود به الذاكرة إلى سن الطفولة، يوم كان طالباً في إحدى المدارس التي تُعنى باستقبال الاطفال من الصبيان. تعود به الذاكرة إلى معاناة كانت حسبما ذكر السبب فيما آلت إليه حاله اليوم. يسود الصمت برهة ثم يكمل حديثه:

 ++ نعم، يا سيدتي، إنها معاناة.. لقد كنت أرتاد في صغري مدرسة تبعد مسافة غير بعيدة عن منزلنا، فقد كان الطريق يستغرق قرابة ربع ساعة سيراً على الأقدام، لكنه كان يستغرق معي أكثر بكثير.

+ ماذا تقصد يا سامي بذلك؟ هل كانت خطاك بطيئة؟

++ كلا يا سيدتي لم تكن بطيئة البتة بل كنت أتعمّد ذلك.

وتساءلت مرة أخرى:

+ تتعمّد التأخير يا سامي؟ لم أفهم.

++ نعم، كنتُ أتعمّد ذلك ريثما يدخل جميع الطلاب، على الرغم من أنني كنت أتأخر بشكل يومي وأتعرّض للعقاب والطرد أحياناً.

+ حسناً، لعلَّ ما كان يحدث معك شيء مهم كي يدفعك للتأخير وتحمّل العقاب بشكل يومي؟

++ أجل، صدقتِ! لقد كنت أتعمّد ذلك خوفاً من مجموعة صبية كانوا يتقصّدون أذيتي، كم كانت أياماً صعبة مررت بها! ليت الأيام تعود بي وأكون أقوى ممّا كنت عليه!

يتابع سامي وقد بدت عليه علامات الارتباك والغضب:

+ كنتُ في كل يوم أعاني سخرية أولئك الصبية وتهديدهم لي، دون أن أعلم السبب حتى إني أصبحت أضحوكة المدرسة بألقاب وأوصاف قد تخطر ببالك وقد لا تخطر، حتى جاء فيه يوم تشاجرت مع واحد منهم وفوجئت بسكّين يخرجها من جوربه، فما كان مني سوى الهرب بعيداً. في يومي الثاني قوبلتُ بكمٍّ أكبر من السخرية، الأمر الذي اضطرّني للتغيّب أياماً بحجّة المرض، وأفاجئ أهلي بقرار عدم رغبتي بمتابعة الدراسة وأنني أفضّل تعلّم مهنة تكون لي المعين في المستقبل.

+ وهل حصل ذلك؟

++ أجل، تركت المدرسة وانقطعت عن الدوام، وبعد ذلك التحقت بورشة للنجارة، وها أنذا منذ ذلك الحين حبيس ذكريات طفولتي.

+ حسناً فهمت، لكن يا سامي ألم يكن لديك خيار بديل؟!

++ قد يبدو لك قراري بترك المدرسة جنونياً وعبثياً، لكن كوني على يقين بأنني لو وجدت البديل في ذلك الوقت لما كنت ها هنا.

+ أجل، أفهم ذلك، يبدو أن أياماً صعبة مرّت عليك.

أنهى سامي حديثه وغاب وتركني لأفكاري، أتساءل: كم المعاناة التي مرّ بها، بل إنه لا يزال يعاني حسرة تلك الأيام، فهو غير قادر على نسيان ما حصل!!

لكن سؤالاً ظلّ يدور في رأسي، لعل أولئك الصبية لا يعلمون ما آلت إليه حال زميلهم: فهل يعلمون أنهم كانوا السبب في دمار مستقبله، وأن محاولتهم للتسلية ولفت الأنظار كانت سبباً في تعاسة إنسان؟

إننا نعاني اليوم انتشاراً كبيراً لظاهرة التنمّر، التي نجدها بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي من فيديوهات وصور وأخبار لأشخاص قد نعرفهم وقد لا نعرفهم، لفنانين، لموظفين أو حتى أطفال، فهل تساءلنا يوماً ما عن وقع تلك الممارسات في نفوس أصحابها؟

أيّاً كان هدف تلك الصور والمنشورات التي تُبثُّ على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء للفكاهة أو حتى لتسليط الضوء على بعض الأخطاء والتجاوزات، ينبغي علينا التفكير مليّاً في كمّ المعاناة والأذى النفسي والضرر الذي من الممكن أن نلحقه بهم؟؟

العدد 1104 - 24/4/2024