جريمة موصوفة

غزل حسين المصطفى:

(ياحرام شو سمينة… الله يعينها على حياتها!).
تخيّلوا أنّها لا تستطيع التَّوقف عن الأكل، عندما تجلس تحتاج إلى من يساعدها على النُّهُوض، غالباً ما تُفصّل لها والدتها ملابس خاصة لحجمها، تبكي والدتها ليلاً ونهاراً لنصيبٍ في الزواج سوف يفوتها على الرغم من جمال وجهها وسحر عيونها، إلا أنَّ الكيلو غرامات الزائدة ستحول دون كل شيء بوصفها أنثى!
هذا ما قالته جارةٌ لي تصف إحداهنَّ، متعاطفةً مع حالها، تسأل عن مختص في الدّعم النَّفسيّ لينتشلها من موتٍ تحكم بهِ على نفسها.
تلك الأنثى الّتي بقي الجميع يُلاحق طفولتها بسوط التَّأنيب والسُّخرية، لأن حجمها لا يتناسب مع بقيّة أقرانها.
تُلاحق وهي تطير نحو فستان حلمت به كثيراً، فيجلدها أحدهم ويقصُّ جناحها قائلاً هذا الفستان لا يناسب مقاسك، تحتاجين إلى مقاسات خاصّة.
تُلاحَق بضحكات زملائها في المدرسة في كلِّ وقتٍ، وبسؤال من تهكم يلسع مشاعرها: (أنتِ ما بتشبعي أكل؟! ما في تلعبي معنا يا دبدوب!).
تُجلد بنظرة أحدهم حين تُقبل على الطعام مستاءً من شهيّتها وانعدام خوفها على وزنها المتزايد.
إلى تلك الطِّفلة الّتي شارك الجميع في قتل روحها: أنا معكِ وأشعر بأنينكِ، أنا هنا أرفع الصّوت لنلجم الألسن عمّا يقترفون بحقكِ وحق غيرك!
أدرك تماماً كيف قادوكِ نحو انتقام جعل روحك تختنق.
أعلم أن طفولتك البريئة وأدبك منعاكِ من الصُّراخ في وجههم جميعاً، فصرتِ تنصرفين إلى الطعام لتثبتي لهم أنكِ غير مبالية بما يقولون، حتّى تحولت الكيلو غرامات القليلة الزائدة إلى سُمنة مُفرطة تنهش جسدك وتحتل شرايينك.
صنعوا القوالب لكلِّ شيء، للجمال والطول والوزن والعلم ووو…الخ، وراحوا يقيسون بحرفية عالية على أساسها دون أدنى شعور بالذنب تجاه ضحيتهم.
من قال لهم أجمل العيون أكحلها؟!
من قال لهم أجمل الأجسام أنحفها؟!
من قال لهم أنجح الأشخاص أرفعهم علماً ومنصباً؟!
من قال لهم أسعد النَّاس أغناهم؟!

مجتمعنا غارق في مثالياته ولكن بالكلام فقط (التنظير على الغير) نُلاحق بعضنا بعضاً، نطلق الأحكام ونفرض الآراء دون أدنى شعورٍ بالمسؤولية.
أذكر يوماً أن أحدهم قال لي: أعمل على تخفيض وزني لأصل إلى الوزن المثالي ضمن المقاييس العالمية.
سألته: لماذا؟ إن كنت تفعل ذلك عن قناعة ورغبة لا مانع، لكن إن كان ذلك لأجل المثالية ونظرة المجتمع، فكن على يقين أنك جميل ولا تحتاج إلى أيِّ تغيير.
ما هي إلاّ جملة بسيطة رسمت على وجهه الابتسامة وعاد بعد شهورٍ عدّة بوجهٍ يشعُّ جمالاً ليقول لي، بالحب والقناعة والرضا تخلصت من حملٍ زائد في أفكاري قبل أن أتخلص من بعض الكيلوغرامات التي ذهبت سريعاً من غير أن أقتل روحي بالتفكير.
ختاماً، الكلمة الحسنة صدقة، لماذا نجرم ونطلق سموم الكلام، وذلك ما أصبح يندرج مؤخراً تحت مسمّى (التَّنمّر)؟!
هل سألنا عن وقع الجملة قبل قولها؟
هل سمع أحدنا نواح الليالي الطويلة لأحدهم من كلمة بترت ابتسامته؟!
الموضوع لا يقتصر على كونه شائعاً بين الأطفال وطلاب المدارس، وإنما صار عدوى مستشرية في مجتمعنا، يمرُّ خبر انتحار أحدهم مروراً عابراً بلا أيّ رهبة.
إلى سكان هذا الكوكب، إلى أبناء الحياة، إلى كلِّ بشريٍّ يحمل الإنسانيّة في قلبه:

إن قتل الروح وترك الجسد يمارس فعل الحياة أشدُّ ظلماً!
 راعوا الجوانب النفسيّة! واسألوا عمّا نعيشه اليوم من أمراض نفسية وعقد كنا نحن من سعى إلى خلقها! لن نصل إلى الكمال، دعوا كلَّ إنسانٍ وشأنه، دعوا الخلق للخالق وامضوا في سبيلكم!

العدد 1102 - 03/4/2024