بريق المصطلحات لا يُغيّر الواقع.. (التنمّر) أنموذجاً

إيمان أحمد ونوس:

منذ وقت ليس بالبعيد ظهر في العديد من وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك في بعض الدراسات والمقالات الصحفية مصطلح (التنمّر) الذي تشي حروف اشتقاقه بأن جذره يعود للنمر كحيوان شرس وعدواني. وقد شاع استخدامه بكثرة في أيامنا هذه لوصف الواقع الذي تعيشه بعض المجتمعات التي تشهد بمختلف شرائحها وفئاتها العمرية نزاعات وحروباً شنيعة، رغم أنه غالباً ما يُستخدم حين الحديث عن سلوكيات الأطفال والمراهقين خاصّة في تلك المجتمعات.

ربما جرى تعميم هذا المصطلح حين ظهر للمرة الأولى في عام 2006 مصطلح التنمّر الإلكتروني، بعد أن قام باحثون بإعداد دراسة كشفت عن تأثير السخرية على مستخدمي الإنترنت، الذي قد يصل إلى حدّ الانتحار. وحينذاك أطلقت بعض الدول العربية حملات لتوعية الآباء بالخطر المحدق بأطفالهم، بسبب خطورة التنمر الإلكتروني كلعبة الحوت الأزرق، هذا ما ذكرته الصحفية شيرين الديداموني في مقال لها بعنوان (التنمّر الإلكتروني خطر يداهم الأطفال والمراهقين).

ومهما يكن من أمر هذا المصطلح، فإنه لا يُضيف شيئاً إلى ما هو موصوف ومعروف في سلوكيات الناس كالعدوانية والعنف بأشكاله المختلفة (الجسدي واللفظي والنفسي والجنسي …الخ)، لاسيما في مجتمع كمجتمعنا السوري الذي ما زال يعيش معاناة وتبعات حرب مستمرة بمختلف الأشكال منذ أكثر من عشر سنوات. إذ غالباً ما يوصف التنمّر في كثير من الأحيان على أنه شكل من أشكال المضايقات التي يرتكبها المسيء الذي يمتلك قوة بدنية أو اجتماعية وهيمنة أكثر من الضحية، وهذا بالفعل ما تصفه العامة بالبلطجة، فقد جاء في مقال للصحفية سنابل قنو تحت عنوان (من أين جاءتنا فجأة كلمة تنمّر):

(ظهر فجأةً في صفحات التواصل الاجتماعي، وفي برامج التلفاز، وفي لقاءات الأصدقاء ونقاشات الناس، وأخيراً في مسلسلات رمضان، مصطلحٌ جديد جداً هو: التنمّر، لم أسمع بهذا المصطلح طيلة فترة دراستي في المدرسة، سواء في مادة اللغة العربيّة أو في مادة الاجتماعيّات ولا في دراستي الجامعيّة، ولم يكن لهذه الكلمة أيّ حضورٍ في كلّ ما قرأته من كتبٍ ورواياتٍ وغيره –على قلّتها- ولا فيما تصفحته من مقالاتٍ سياسيّة أو اجتماعيّة أو طبيّة، دخل في قاموسنا فجأة، ولم يأخذ أحد رأينا في مصطلحٍ جديدٍ علينا استخدامه، ولم تتم استشارتنا فيما بعد في مآخذنا على هذا المصطلح، ولم نُعطَ فرصة أن نناقش أسباب إقحام الكلمة هذه بالذات علينا دون غيرها، والتركيز عليها في جميع وسائل الإعلام، وعند ترجمة الكلمة ذاتها من الإنجليزيّة إلى العربيّة كان المعنى المناسب لها هو (بلطجة)، فما الذي يجعلنا نتقبّل إضافاتٍ جديدةً إلى قواميسنا التربويّة والأخلاقيّة؟!).

أعتقد أنه الحال الذي نعيشه اليوم من بلطجة شملت كل مناحي حياتنا المعيشية، من غلاء وبطالة وفقر وجوع سببه تجّار الحروب وهامات الفساد الشامخة دون مواربة ولا خجل، إضافة إلى سياسات ارتجالية- تمييزية لا تراعي واقع واحتياجات من صمدوا طيلة سنوات الحرب وما تبعها من سنوات جمر نكتوي بها ليل نهار، بقدر ما تُراعي أصحاب رؤوس المال الذين باتوا كالجراد يلتهمون حتى أبسط مقوّمات عيشنا وإنسانيتنا.

وإذا قسِّم هذا المصطلح الوافد (التنمّر) إلى ثلاثة أنواع هي: (التنمّر اللفظي- التنمّر الجسدي- والتنمّر العاطفي)، فإنه يمكننا القول وبما يناسب راهن اليوم إن التنمّر اللفظي يتمثّل بتبادل إطلاق الألقاب ما بين الأقوياء والضعفاء على حدٍّ سواء كدواعش الداخل، موالاة، معارضة، مرتدين…. الخ. أمّا التنمّر الجسدي فيتمثل اليوم في الإرهاب والقتل والمعنف المُمارس بشدّة ضدّ الشرائح الأضعف والذين لا حول ولا قوة لهم فيما جرى ويجري اليوم. ويمكننا أن نُضيف هنا التنمّر الاقتصادي المُتمثّل بعدم القدرة على تلبية أبسط الاحتياجات الأساسية كالخبز والدواء في ظلّ غلاء فاحش لم يجد من يردعه ولا من يتصدّى له من المسؤولين الذين لا هم لغالبيتهم سوى محاباة التجّار على حساب غالبية الناس من الفقراء والمهمّشين وأصحاب الدخل المحدود. أمّا التنمّر العاطفي فأرى أنه يتمثّل في الاستهزاء والسخرية من الآخر عبر سلوكيات أو سياسات غير واضحة، كالوعود الخلّبية التي يُطلقها المسؤولون وعلى مختلف المستويات لطمأنة الناس مثلاً، في حين أن تلك الوعود ما هي إلاّ فقاعة تتلاشى بعد إطلاقها مباشرة، ليكون الواقع أكثر قسوة منه قبل وعودهم، وما هذا إلاّ سخرية واستهزاءً ممّن صمدوا طيلة تلك السنوات على أمل الحفاظ على بعض كرامة وإنسانية تليق بسورية والسوريين.

الصحفية سهى جفّال، في مقال لها بعنوان (التنمّر… بين الخلل الاجتماعي والاختلال النفسي) توضح التنمّر في بعض حالاته قائلةً:

  • التنمّر أقرب إلى ما هو معروف بالسخرية والاستضعاف من طفل لآخر أو من أي شخص راشد لآخر.
  • –        التنمّر علاقة قوّة غير متوازنة بين شخصين يستطيع أحدهما استغلال تفوّقه في قهر الآخر.
  • التعبير عن الرأي حق لكن دون الإساءة لأي شخص والتحريض عليه.
  • الحياة أصبحت قاسية لدرجة أنها جرّدت بعض الأشخاص من إنسانيتهم، فأضحوا يوجهون انتقاداتهم للآخرين للفت الأنظار.
العدد 1104 - 24/4/2024