لسنا بحاجةٍ إلى مصطلحاتٍ جديدة
إيناس ونوس:
تعدَّدت المصطلحات في مختلف معاجم اللغات، سواء الأدبية أو العلمية أو النفسية أو الاقتصادية أو السياسية وغيرها الكثير، وكل مصطلح يختصر معانيَ وشرحاً طويلاً لحالةٍ ما، حتى باتت هذه المصطلحات مدمجةً باللهجات المحكية يستخدمها غالبيتنا، ربما نعرف معناها وربما لا، إنما نستخدمها لنبرز مقدراتنا التثقيفية أمام الآخر بشيءٍ من التباهي بها من جانب، ولأنها قد فُرضت علينا بشكلٍ أو بآخر من قبل الوسط المحيط، فحينما يستخدمها الجميع لا مفرّ من استخدامنا لها مجاراةً لهم.
وقد اعتاد القائمون على علم اللغات أن يرموا لنا كل فترةٍ بمصطلحٍ من هنا وآخر من هناك ليطفو على السطح، فنتداوله فترةً ما ثم يختفي، أو يتبدل إلى غيره، ومن هذه النماذج مصطلح التنمّر، الذي انتشر مؤخراً بشكلٍ سريع، والذي يعني التهكم والسخرية من الآخر لوجود عيب خلقي أو نفسي لديه، غير أن هذا المصطلح كمفردةٍ لغوية يُعدّ جديداً علينا بينما نحن نعيشه ونعرفه بمعناه الحقيقي منذ زمنٍ بعيد، ولم نكن بحاجةٍ إلى التجديد لأن له مرادفات عديدة نعرفها واعتدنا عليها، فما الهدف من استخدام مفردةٍ جديدة من هذا القبيل وتعقيد المفاهيم والمعاني في حين أن سابقاتها كانت سهلة، متداولة، ومعروفة للجميع؟
لستُ بصدد الدخول هنا بنقاش ما إن كنت مع هذا المصطلح، بمعناه اللغوي النفسي والاجتماعي أم من معارضيه، إنما أتحدث هنا عن فكرةٍ وجدتها مهمةً بعض الشيء: ما الهدف من هذه المصطلحات والمفردات التي يتم طرحها للناس، فتنتشر كالنار في الهشيم فترة ثم تموت؟ لتغدو تسليةً لغويةً نطلقها على أي شيء حتى لو كان بعيداً عن معناها الضمني؟ وهل نحن بحاجة إلى المزيد من التعقيدات في حياتنا ولغتنا اليومية أكثر ممّا نعيشه اليوم؟ أم هي محاولة لإبراز مقدراتنا الثقافية، بينما إن طرح على أحدنا أن يشرح معنى ما يتفوه به نراه يتلعثم ويتوه في أدوات الشرح، وهو أبعد ما يكون عن المعنى الجوهري والبسيط لمعنى ما يقوله؟
لا أرغب في الإطالة أكثر، فكل ما رغبت في قوله: ما الفائدة من طرح مصطلحاتٍ جديدة لا نعرف كيف ولماذا برزت، ولم نحمّل أنفسنا عناء البحث عن مصدرها اللغوي أو غيره، بل ننساق باستخدامها هكذا ككل حدث أو شيء جديد علينا نعيشه فترة ونتداوله ثم نتركه وننساه، لنعود إلى استخدام المعنى الأكثر قرباً لنا في حياتنا والذي اعتدنا على استخدامه سابقاً؟
جرى تداول مصطلح (التنمّر) في العديد من برامج التوعية الاجتماعية سواء في الإذاعة أو التلفاز، وفي بداية الأمر لم أفهم معناه، ما استفزّني لأبحث عن معناه، وأخذت أشكّك في معلوماتي، لعلّه يختلف عمّا أعرفه، ولم أفهمه، غير أنه هو ذاته ما كنّا نستخدمه سابقاً بمعانٍ أخرى، فلماذا نتلاعب باللغة؟ وهل امتلكنا من الثقافة ما يكفي حتى لم يعد أمامنا إلاّ اللعب بمفرداتها؟
للأسف، نحن، كما في كل الأمور الأخرى، ننساق عبر سياسة القطيع في الجديد دون البحث فيه وبأسبابه ودوافعه، لا نزال متلقّين مستقبلين ولم نفكر للحظة أن نكون فاعلين وأن نسعى لتبسيط الأشياء أكثر وأن نختار ما يناسب وعينا وثقافتنا فقط. يكفينا ما في حياتنا من تعقيدات، فلنبسط الأمور بعض الشيء ونسعى بجد لأن نبتعد عن التعامل بالمعنى الضمني لمثل هذا المصطلح بدل أن نتباهى به كمفردةٍ فقط.